الإشراف على تكوين متسابقين، ومرافقتهم عبر المراحل التنافسية في برنامج فنيّ، عمل معقّد، ودور حيوي يضطلع به القائمون على “ألحان وشباب”.. وهي الحاضنة الأساسية لاكتشاف المواهب وتشكيل المشهد الفني بالجزائر.. هي مدرسة الفن الأولى.. “الشعب” التقت مدير المدرسة، الفنان فؤاد ومان الذي قدّم تحليلًا لـخصوصية الطبعة الحالية، مُفصّلًا آليات التكوين المعتمدة لبلورة قدرات الطلبة. كما تناول إحدى النقاط الجوهرية في أي برنامج تقييمي، وهي معايير اختيار لجنة التحكيم.. اللقاء كان جميلا مع المايسترو ومان.. إليكموه..
– الشعب: برنامج ألحان وشباب من أقدم البرامج الخاصّة باكتشاف المواهب في الجزائر، ما الذي يُمَيِّز النسخة الحالية؟
فؤاد ومان: في الحقيقة، كانت النُّسَخ السابقة متشابهة إلى حدٍّ كبير، فبعد عودة مدرسة ألحان وشباب في السنوات الماضية، كان المتسابقون يمرّون عبر ثلاث مراحل إلى غاية النِّهائيات. أمّا اليوم، فقد أصبحت المدرسة تُرَكِّز على تكوين الشباب من الناحية الفنيّة والموسيقية، وكذلك من الناحية الصوتية، إذ يتولّى مُدرِّبون ومتخصِّصون تدريب المتسابقين على تقنيات الأداء فوق الرُّكح. إضافة إلى ذلك، يحظى المشاركون بحصص في الرياضة تُعَدّ مهمة جدا.. هناك أيضاً جوانب جديدة لم تكن متاحة في الطبعات السابقة؛ فعلى سبيل المثال، في النُّسَخ الماضية كان المشاركون يتنافسون في “الدِّيو”، بينما في هذه النسخة أصبحت المنافسة على شكل “دُويال”، أي مواجهة بين صوتين، حيث يُظهِر كل متسابق إمكاناته الصوتية من خلال أداء أغنية واحدة، كما أنّه في السابق كانت الأغاني تُحَدَّد للمتسابقين، أمّا اليوم فقد أصبح المتسابق نفسه هو من يختار الأغنية والطابع الفنّيّ الذي يُريد أن يقدِّمه، فيما يقتصر دورنا على تقديم المقترحات فقط. وبغضّ النظر عن ذلك، يبقى الهدف الأساسي هو اكتشاف المواهب والقدرات الصوتية، وهذا بحدّ ذاته يُعَدّ امتحانًا حقيقيًّا للمشترك.
البرنامج يتكوّن من عشر “برايمات”، وفي كل “برايم” يُرشَّح أربعة أصوات إمّا للبقاء أو الخروج، حيث تختار لجنة التحكيم واحدًا منهم، فيما يُنقِذ الجمهور الآخر عبر التصويت. وفي النهاية، يبقى اثنان في المنافسة ويُقصى اثنان آخران، غير أنّ الذين يغادرون المسابقة يواصلون الاستفادة من الدروس والتدريب، كما يستمرّون في الغناء أسبوعيًّا في البرنامج، لكن خارج إطار المنافسة.
– كيف يتم اختيار لجنة التحكيم وهل لكم دور في ذلك؟ وماهي المعايير التي تعتمدونها لضمان الموضوعية من ناحية المدرسة؟
ليس لي أيّ دورٍ في اختيار لجنة التحكيم، فمُهمّتي تقتصر على التكوين داخل المدرسة، والإشراف على الإدارة والبرنامج، إضافةً إلى متابعة الأساتذة، واختيار الأغاني، والتدريبات.. أمّا اختيار لجنة التحكيم، فهو من صلاحيّات منتِج البرنامج. وتتكوّن اللجنة من فنانين، ومُلَحِّنين، وموزعين يمتلكون خبرة واسعة وطويلة في المجال الفنّي، ولهم حضور قويّ في الساحة الفنيّة الجزائرية.. على سبيل المثال، سبق أن ضمّت اللجنة أسماء بارزة مثل المرحوم رابح درياسة، وفي هذه الطبعة نجد الموسيقار صافي بوتلة، والفنانة بهجة رحّال المعروفة في الطابع الأندلسي، وعبّاس ريغي المعروف في طابع المالوف. وهذا دليل على أنّ لجنة التحكيم تضمّ نخبةً من خيرة الفنانين في الجزائر.
– هناك من يرى أنّ البرامج الغنائية تواجه منافسة قويّة من منصّات التواصل الاجتماعي.. فكيف يحافظ برنامج ألحان وشباب على مكانته في ظلّ هذه المنافسة؟
أعتقد أنّه لو اطّلعنا على ما يُنشر عبر منصّات التواصل الاجتماعي بخصوص ألحان وشباب لوجدنا أنّ جميع الأغاني مقصوصة ومنتشرة على مختلف المنصّات، مثل “تيك توك”، “يوتيوب”، و«فايسبوك”. وهذا يدل على أن هناك أصواتًا تصل إلى الجمهور وتحقّق انتشارا واسعا.. ورغم تراجع نسب المشاهدة في بعض البرامج التلفزيونية، إلا أن ألحان وشباب ما يزال يحظى بنسبة متابعة كبيرة، وأصبح مصدرًا دائمًا للحركة على مواقع التواصل الاجتماعي، بل واستطاع أن يفرض نفسه بقوة في الساحة الإعلامية.
– ماذا يقدّم البرنامج للمشاركين بعد انتهاء الموسم؟ هل ترافقونهم في مسارهم الفنّي، أم تتركونهم لمواجهة السوق وحدهم؟
بحكم أنّني من خريجي مدرسة ألحان وشباب، وبناءً على تجربتي وتجربة بعض الزملاء الذين شاركوني المنافسة، أستطيع القول إنّ هناك فئتين: مجموعة اختفت عن الساحة بعد عامٍ أو عامين، ومجموعة أخرى واصلت مشوارها الفنّي.. إن الذي يحدّد الاستمرارية هو الموهبة الحقيقية، لكن أيضًا هناك عامل مهمّ جدًّا وهو ما أسميه “ذَكاء الفنّان”، فقد يمتلك البعض صوتًا رائعًا، لكن يفتقرون إلى الذكاء في كيفية ربط العلاقات مع الملحّنين، والموزِّعين، والفنانين، أو حتى في التعامل مع الساحة الإعلامية التي توصلهم بالجمهور. من دون هذا الذكاء لن يذهبوا بعيدًا.. وعلى العكس، نجد أحيانًا أصواتًا عاديّة جدًّا لكنها تملك ذكاءً فنّيًا كبيرًا، فتنجح وتُحقّق شعبية واسعة.
غالبًا ما يحتاج أيّ شاب يدخل المجال الفنّي سنوات طويلة – قد تصل إلى عشر سنوات – حتى يصبح معروفًا خارج نطاق مدينته. لكن برنامج ألحان وشباب يختصر هذه المسافة في شهرين فقط، فالمشارك يُعرَض كل أسبوع مباشرةً من دار الأوبرا رفقة فرقة فريد لعوامر، وهي الفرقة التي لم يسبق حتى لكبار الفنانين أن غنّوا معها. خلال هذه الفترة، تتكرّس صورة المتسابق ويجد نفسه مع نهاية المسابقة – التي تتزامن مع 31 أكتوبر و1 نوفمبر- نجمًا معروفًا في كل أنحاء الجزائر.
لكن بعد انتهاء البرنامج، يبقى الذكاء الفنّي هو الفيصل، فالبرنامج يقدّم الانطلاقة، أمّا الطريق بعد ذلك فيصنعه المتسابق بنفسه. واليوم، بمجرد خروج أيّ مشترك من ألحان وشباب، تتواصل معه القنوات التلفزيونية العمومية والخاصّة، وكذلك مديريات الثقافة في الولايات. على سبيل المثال، إحدى مديريات الثقافة اتّصلت بي بخصوص متسابق من ولايتهم وطلبوا تهنئته، لأنّهم يعتبرون مشاركته فخرًا للولاية وللمدينة. بطبيعة الحال، دخول المدرسة ممنوع على أيّ طرف خارجي، لكن خلال “البرايم” وبعد انتهائه يمكن لعائلات المتسابقين أن تلتقي بهم. وهذا دليل على أنّ كل مشارك في ألحان وشباب لا يكتفي بتمثيل نفسه فقط، بل يُشرِّف ولايته ومحيطه أيضًا.
– ما هي خططكم لتطوير برنامج المدرسة حتى تبقى مدرسة حقيقية لصناعة نجوم الغد وتحافظ على جمهورها العريض داخل الجزائر وخارجها؟
برنامج ألحان وشباب يُعَدّ من أعرق وأقدم البرامج في مجال اكتشاف المواهب، فقد وُلدت المدرسة في ستينيات القرن الماضي، أي بعد الاستقلال مباشرةً سنة 1963، وتخرّج منها كبار الفنانين الجزائريين.
وعن تجربتي الشخصية، حين كنتُ أُسافر إلى الخارج لإجراء حوارات، كنت أُعرِّف نفسي بأنّني من خريجي مدرسة ألحان وشباب منذ ثمانينيات القرن الماضي، فكانوا يستغربون كثيرًا. وعندما أخبرهم أنّ البرنامج موجود منذ ستينيات القرن الماضي، تزداد دهشتهم؛ لأنّ الصورة لديهم أنّ الجزائر ليست بلدًا فنّيًا أو غير معنيّ بهذا المجال.
