المقـاولاتيــــة والابتكـار في خدمـة التراث الثقافي

أسامة إفراح

تستهدف الطبعة الأولى من برنامج “دمج” متحف “هيبون” بعنابة، الذي يسعى لتطوير خدماته وتحقيق استدامته الاقتصادية. و«دمج” برنامج أطلق حديثا تحت رعاية وزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة، يعمل على ربط الشركات الناشئة والمؤسسات المصغرة بالمؤسسات “العريقة”، عمومية أو خاصة، من أجل تقديم حلول مبتكرة. ومن النتائج المتوقعة لهذه الطبعة، الإسهام في عصرنة متحف “هيبون” والترويج له، وتوفير فرص للمستثمرين لدعم الابتكار الثقافي.

اختير متحف “هيبون” بعنابة ليكون محور الطبعة الأولى من برنامج “دمج”، الذي تم إطلاقه تحت رعاية وزير اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة، بالتعاون مع وزارة الثقافة والفنون وبالتحديد الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية، بهدف “تعزيز التعاون بين المؤسسات الناشئة والمصغرة والمؤسسات العريقة لتطوير حلول إبداعية وقابلة للتجسيد”.
«دمج” (DAMJ) برنامج أطلقته حاضنة “أوركيدز” الثقافية لخلق فضاءات تعاون بين المؤسسات الناشئة والمصغرة، والمؤسسات العريقة مثل المتاحف والمكتبات، من أجل تطوير خدماتها عبر حلول إبداعية وقابلة للتجسيد. وبدلًا من مجرد استضافة “هاكاثون”، يعمل “دمج” كعملية تعاونية متعددة المراحل تهدف إلى إيجاد حلول عملية وقابلة للتطبيق تُعالج التحديات المؤسسية الواقعية. وتختار كل نسخة من “دمج” مؤسسة بارزة (عمومية، أو اقتصادية، أو ثقافية، أو اجتماعية) وتستكشف كيفية تحسين أدائها وخدماتها وتأثيرها من خلال ابتكار ذكي مصمم خصيصا.
ووفقا لموقع البرنامج، فقد وقع الاختيار على متحف “هيبون” لكونه معلما أثريا وثقافيا فريدا من نوعه، يتمتع بقيمة تاريخية هائلة. بالمقابل، تبقى هذه الإمكانات غير مستغلة (وفقا للمشرفين على المبادرة) من حيث تفاعل الزوار، والحضور الرقمي، والبرامج التعليمية، والاستدامة الاقتصادية. من أجل ذلك، تسعى هذه المبادرة إلى مواجهة هذه التحديات من خلال الجمع بين المتحف وخبراء الابتكار، وأصحاب العقول الريادية، لتطوير حلول مشتركة من شأنها أن تسمح بتحديث تجربة المتحف وتحسينها ورقمنتها.
وفي هذا السياق، حددت أهداف هذه الطبعة الأولى، ويتعلق الأمر بدمج حلول مبتكرة لتجاوز التحديات التي يواجهها متحف “هيبون” من أجل الارتقاء بخدماته، وتحسين تجربة الزوار في عدة نقاط، واستقطاب عدد أكبر من الزوار الجدد، والتنشيط والترفيه لتحفيز الزوار على العودة، وتسيير الدخول والتحرك بالمتحف، وتسهيل التنقل بين فضاءات المتحف المتباعدة، ومعالجة وتسييير المساحات الخضراء، وإنشاء وتسيير موقف للسيارات، وإنشاء خدمات إضافية أخرى، ورقمنة الآثار والفضاءات الثقافية.
وفيما يتعلق بمراحل البرنامج، فقد تم تحديد المرحلة الأولى باختيار المؤسسة المستهدفة: حيث اختير متحف “هيبون” لأهميته الثقافية وإمكانية تطويره من خلال الابتكار، ويتم إجراء مراجعة تشخيصية بالتعاون مع فريق المتحف لتحديد تحدياته الرئيسية ومجالات التطوير. أما المرحلة الثانية فهي عقد ورشة عمل تشاركية، تجمع ممثلي المتاحف وخبراء القطاع ومصممي الحلول، وجميع هؤلاء سيحددون معًا القضايا ذات الأولوية، ويشاركون في تصميم تحديات الابتكار التي يجب على الشركات الناشئة معالجتها.
يلي ذلك المرحلة الثالثة وهي توجيه دعوة مفتوحة لتقديم الحلول، وذلك بإطلاق تحدٍ مفتوح للابتكار (كما هو معمول به في عالم الستارتاب) يدعو المؤسسات الناشئة والمصغرة لتقديم حلول دقيقة ومؤثرة، و«ينصب التركيز على الأفكار الواقعية التي تتوافق مع السياق التشغيلي للمتحف”.
أما المرحلة الرابعة فهي مرحلة التوجيه والتقييم، إذ يتلقى المشاركون المختارون، على مدار أكثر من 10 أيام، توجيهًا عن بُعد أو في الموقع حول: تحسين الحلول، ونمذجة الأعمال، ومهارات العرض، وصياغة مقترحات شراكة ذات منفعة متبادلة. ثم تعرض المؤسسات الناشئة حلولها على لجنة تحكيم من الخبراء تضم موظفي المتحف ومقيّمين مستقلين. وتعتبر المرحلة الخامسة، وهي “يوم المستثمر”، جديد هذا الإصدار، ففي هذه المرحلة، يُدعى مستثمرون خارجيون لاستكشاف فرص التمويل للتعاون الواعد. وقد تشمل هذه الفرص أدوات رقمية، أو تقنيات للزوار، أو منتجات سياحية قابلة للتسويق والتوسع.
ثم تأتي المرحلة السادسة والأخيرة، المتعلقة بالتكامل والتوسع، بحيث تُدعم الحلول الفائزة لإبرام “اتفاقيات إثبات المفهوم” (PoC) أو شراكات تجريبية مع المتحف. وفي حال نجاحها، يمكن دمجها بالكامل في عمليات المتحف أو توسيع نطاقها لتشمل مؤسسات أخرى ذات احتياجات مماثلة.
ومن بين ما يقدمه البرنامج للمشاركين، من مؤسسات ناشئة ومصغرة وحتى مقاولين ذاتيين وجمعيات، المرافقة والتوجيه المتخصص، من خلال دعم فني وتجاري طوال البرنامج، والظهور الإعلامي، وتوسيع شبكة العلاقات والتواصل مع خبراء في الابتكار والثقافة، وبطبيعة الحال فرصة للعمل مع متحف “هيبون”، ولم لا فرص شراكات طويلة الأمد سواءً مع المتحف أو مع مستثمرين محتملين.
ويشير “دمج” إلى مجموعة من النتائج المتوقعة، نذكر منها الابتكار الملموس الذي تم تنفيذه داخل مؤسسة تاريخية، والعقود أو الاتفاقيات الحقيقية بين المؤسسات الناشئة والكيان القائم، وتقديم نموذج جديد للتعاون بين التقليد والابتكار، وعصرنة متحف “هيبون” والترويج له، وتوفير فرص للمستثمرين لدعم الابتكار الثقافي القابل للتطوير، وهي أهداف يسعى البرنامج إلى تحقيقها تحت شعار “حلول ناشئة لمؤسسات راسخة”.
جدير بالذكر أن متحف “هيبون” يعدّ من أهم المعالم الأثرية والتاريخية في مدينة عنابة، وهو مصنف تراثا وطنيا، وقد امتدت الحفريات للكشف عن آثاره في الفترة ما بين 1927 و1964، والقطع الأثرية المكتشفة به محفوظة في المتحف الموجود داخل الموقع الأثري. ومن أهم معالم المتحف نذكر حي الواجهة البحرية في الجهة الشرقية، وتتمثل معالمه في جدران ضخمة ومجموعة من المنازل الأنيقة، والحي المسيحي وهو أحدث ما أسس تاريخيا وجغرافيا، فمعالم هذا الحي في مجملها تعود للقرن الرابع ميلادي وتوجد به “كنيسة السلام” التي كان القديس أوغسطين ينشر دعوته من منبرها طوال ثلاثين عاما. كما نجد الحمامات الجنوبية، والمسرح الروماني الذي يقع على سفح ربوة القديس أوغسطين، والحمامات الشمالية الكبرى الموجودة في الجهة الشمالية، ويكون الوصول إليه باتباع طريق المارة بين البازيليكا الكبيرة وحي الواجهة البحرية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19803

العدد 19803

الأحد 22 جوان 2025
العدد 19802

العدد 19802

السبت 21 جوان 2025
العدد 19801

العدد 19801

الخميس 19 جوان 2025
العدد 19800

العدد 19800

الأربعاء 18 جوان 2025