تعتبر شعيرة عيد الأضحى المبارك من المناسبات الدينية والاجتماعية الراسخة في المجتمع الجزائري بعادات وتقاليد وممارسات خاصة تحرص العائلات على احيائها والحفاظ عليها باعتبارها موروثا حضاريا وثقافيا يتناقل بين الاجيال، فهي قبل ان تكون شعيرة دينية وسنة مؤكدة وجب الالتزام بها قدر المستطاع، هي فرصة هامة للتقارب واجتماع افراد العائلة للقيام بواجب نحر الأضحية وسط فرحة تغمر قلوب الأفراد وخاصة الأطفال..
لا تزال مناسبة عيد الأضحى المبارك أو “العيد الكبير” مثلما هو متعارف عليه في المجتمع الجزائري تحافظ على مكانتها الاجتماعية وقدسيتها الدينية كشعيرة أساسية وهامة مثلها مثل عيد الفطر الذي يختتم شهر الصيام والقيام، فرغم التحوّل الكبير والعميق ومظاهر العصرنة المتسارعة وتغير الاهتمامات ونمط التفكير لدى الأجيال الحالية، إلا أن مفهوم العيد كسلوك وواجب ديني يفرض حضوره في العادات والتقاليد الجزائرية، حيث يحرص كل رب عائلة على اقتناء كبش العيد ويجتهد لادخار بعض من أمواله ومدخوله الشهري للقيام بهذه الشعيرة وادخال الفرحة الى قلوب أطفاله مهما اختلفت وتباينت الوضعية الاجتماعية والمادية للأسرة وهو دليل على عمق الترسخ والمقام العالي لشعيرة النحر يوم العيد.
ومهما اختلفت وتنوّعت مظاهر التحضير والاستعداد لاستقبال مناسبة عيد الاضحى المبارك من منطقة الى أخرى بالجزائر، إلا انها تتقاسم في عادات وتقاليد أساسية مشتركة بين أغلب العائلات التي تنطلق قبل عدة أيام وحتى أسابيع في اقتناء ما يلزم من أواني وأغراض تستعمل خلال العيد كأدوات تقطيع الأضحية والشواء والقيام بتزيين البيوت وغيرها من التحضيرات التي تقوم بها المرأة الجزائرية التي تتكفل في الغالب بمهمة اقتناء ملابس العيد للأطفال التي تحوّلت الى مهمة صعبة ومكلفة ماديا بشهادات بعض المستجوبات اللواتي تحدثن لـ “الشعب” بسبب ارتفاع الأسعار وأحيانا صعوبة الاختيار واقناع الأطفال الذين أصبحوا أكثر حرصا على متابعة الموضة وكل ما هو جديد من ماركات عالمية قد تأتي على نصف المدخول الشهري خصوصا بالنسبة للأحذية الرياضية التي يطلبها الذكور يعلق رب أسرة صادفناه في أحد المحلات التجارية.
مقابل دور المرأة الأساسي والمتعدد الذي تقوم به خلال هذه المناسبة في عملية التحضير واختيار نوع الأواني وأطقم الألبسة التي تتجاوب مع ميولات أبنائهم وصولا الى المهام الاخرى الخاصة بتحضير بعض الانواع من الحلويات والتكفل بمهمة تنظيف الأحشاء أو “الدوارة” بحسب تنوّع المصطلح في المجتمع وتحضير الأطباق التقليدية المعروفة كطبق العصبان والكسكسي، يحمل الرجل أورب الاسرة مسؤولية ثقيلة وتحدّيا كبيرا وتضحيات من أجل الحفاظ على هذه السنة الدينية ولمّ شمل الاسرة وادخال الفرحة الى قلوب أطفاله التي لا تكتمل سوى باقتناء كبش العيد التي تحوّلت فعلا الى مهمة صعبة وأحيانا شبه مستحيلة في السنوات القليلة الماضية بالأخصّ بالنسبة للعائلات المعوزّة ومتوسطة الدخل بسبب الارتفاع الفاحش في سعر الأضحية.
الأضاحي المستوردة خفّفت الأعباء
على خلاف السنة الماضية التي عانى فيها المواطن كثيرا من صعوبة اقتناء الأضحية بسبب ارتفاع الأسعار وتحكم التجار السماسرة في هذا النشاط التجاري مما حرم الكثيرين من أداء هذه السنة المؤكدة، ساهمت الاجراءات التي اتخذتها الدولة وقرار رئيس الجمهورية في استيراد كباش العيد من انفراج سوق الماشية وايجاد بدائل للمواطن مما اضطر الكثير الى التواجد يوميا في نقاط البيع المعتمدة على مستوى بلديات بومرداس لاقتناء الكبش المستورد من اسبانيا ورومانيا بأسعار معقولة ساهمت في تخفيف من حدّة الانشغالات وأتاحت الفرصة لأغلب العائلات بممارسة هذه الشعيرة الدينية.
ووسط كل هذه التحضيرات والانشغالات التي تميّز عملية التحضير لاستقبال عيد الاضحى بكل ما تشكله من اهتمامات وصعوبات وحتى تكاليف مرهقة أحيانا للعائلات، إلا أن الأجواء الروحانية وفرحة الأطفال والمصلين الذين يتزينون بملابس العيد الجديدة استعدادا للتوجه صباحا الى المساجد التي تصدح بالتهاليل والتكبيرات قد تطرح في نفوس الجميع سكينة وطمأنينة عميقة تزيل الغشاوة وتسقط كل هذه الأثقال التي عانت منها العائلات مع عودة البسمة للشفاه ممزوجة بمظاهر التغافر وتبادل التهاني بين العائلات والجيران قبل الاجتماع على نحر الكبش حيث سيأخذ كل فرد في العائلة مهمة محدّدة بعد ان يتكفل رب العائلة بمهمة النحر من باب الفضل والوجوب.
وبالتالي يمكن القول في الأخير أن هذه المناسبة الدينية والاجتماعية وقبل ان تكون مهمة لذبح كبش العيد تعتبر فرصة هامة لتجديد الروابط العائلية وصلة الرحم وهي تقريبا أحد أهم أحد المعاني والمقاصد التي تسعى إليها مثل هذه المناسبات التي شرعها الله تعالى لعباده لتجاوز الضغائن والصفح عن أخطاء الماضي بصفحة جديدة ملؤها التعاون والتكافل الاجتماعي.