رؤى متطابقة ومواقـف سيدة.. وشراكـة بآفـاق إفريقيــة
تنسيـق حيوي لدفع أجنـدة السلـم والتنميــة بإفريقيــا
تجربة تنموية رائدة في القارة ببرامج وطنية خالية مـن الإمـلاءات الأجنبية والمديونيـــة
يؤكد الباحث المتخصص في الدراسات الإفريقية بجامعة عمار ثليجي في ولاية الأغواط، البروفيسور دحماني العيد، أن العلاقات بين الجزائر ورواندا، تُظهر عمقاً تاريخياً وتنسيقاً معاصراً، مرتكزة على أسس قوية من التضامن والتعاون المشترك في القارة الإفريقية وعلى الساحة الدولية، ومدفوعة بإرادة قوية من قيادتي البلدين لتعزيز هذه الشراكة النموذجية على نحو أعمق وأوثق.
قال البروفيسور العيد دحماني، في تصريح خص به «الشعب»، إن الرابط الجزائرية الرواندية تتميز بكونها تاريخية وقوية، أساسها الاحترام المتبادل، والتنسيق في المواقف القارية والدولية، والتضامن والتعاون، والدفاع المشترك عن القضايا الإفريقية العادلة، على غرار قضية الصحراء الغريبة المطروحة في أجهزة الأمم المتحدة على أساس أنها مسألة تصفية استعمار تستوجب تقرير مصير واستقلال الشعب الصحراوي.
وأوضح دحماني، أن الجزائر كانت من أولى الدول التي دعمت جمهورية رواندا بعد الإبادة الجماعية عام 1994، وقدمت لها حينها الدعم السياسي في المحافل الدولية كالأمم المتحدة، بالإضافة إلى مساهمتها في الجهود الإنسانية بتقديم المساعدات الغذائية والطبية، والمساعدات التقنية في مجالات مثل الزراعة والصحة والتعليم. وشكلت هذه العلاقات منذ استقلال البلدين، نموذجًا يحتذى به في التضامن بين أبناء القارة الواحدة، ومثالاً للتنسيق السياسي في المحافل الدولية للدفاع عن إفريقيا وقضاياها الأساسية والمصيرية، وفقا للمصدر ذاته.
دعم حق الشعوب في تقرير المصير
يرى البروفيسور دحماني، أن وجهات النّظر بين الجزائر ورواندا تتطابق تجاه القضايا الدولية والإقليمية والقارية، مما يعكس قوة مواقفهما المشتركة، خاصة فيما يتعلق بنصرة القضايا العادلة ودعم حق الشعوب في تقرير المصير والاستقلال. وتُبرز رواندا كدولة ملتزمة بمبادئ الاتحاد الإفريقي الأساسية، بحسب دحماني، تكريسًا واضحًا لحق الشعوب في تقرير مصيرها، ورفض الاستعمار بكل أشكاله، وهو ما ينعكس في دعمها للجهود السلمية الرامية إلى تسوية النزاعات الإقليمية، مثل ملف الصحراء الغربية، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية والاتحاد الإفريقي. كما تؤكد كيغالي في بياناتها الرسمية، وخلال مشاركاتها في القمم الإفريقية، على ضرورة أن تكون الحلول إفريقية المنشأ، وتراعي تطلعات الشعوب، وهو ما ينسجم تمامًا مع موقف الجزائر الداعم لهذه القضايا، ويعضد التزام البلدين في تعزيز التنسيق البيني حول ملفات التنمية والسلم والأمن في القارة السمراء، ودعمهما للجهود الرامية إلى إيجاد حلول سياسية للأزمات والنزاعات الداخلية.
علاوة على ذلك، يتجلى التنسيق الأمني بين الجمهوريتين في جهودهما المشتركة لمكافحة الإرهاب والمخدرات والجريمة العابرة للحدود، وتبادل الخبرات والمعلومات، والتشاور في القضايا الأمنية، وكل هذا يؤكد أن العلاقة بين الدولتين تتجاوز الإطار الثنائي إلى المساهمة الفعّالة في إرساء استقرار القارة، يذكر الباحث.
مستقبل واعد لعلاقات البلدين
وأفاد دحماني بأن مستقبل العلاقات الجزائرية الرواندية الواعد، تَجسّد على أرض الواقع من خلال الزيارات الرسمية ذات المستوى العالي، والتي استهلت بتبادل الوفود العسكرية الرفيعة لمناقشة التحديات الأمنية المشتركة في القارة الإفريقية، وفي الزيارة الأخيرة للرئيس الرواندي بول كاغامي إلى الجزائر.
وتابع يقول: «العلاقة بين الجزائر وكيغالي، تتجه نحو تعميق وتوسيع وتنويع نطاق التعاون المشترك، مدفوعاً بأسس تاريخية راسخة وإرادة سياسية مشتركة. والزيارة الأخيرة تؤكد على نفَسٍ جديد وديناميكية متصاعدة بين البلدين تحت قيادة الرئيسين، السيد عبد المجيد تبون والسيد بول كاغامي، مما يشير إلى التزام عالي المستوى بدفع هذه العلاقات إلى درجة توحيد الرؤى الأمنية والاقتصادية بين الدولتين في القارة الإفريقية، عبر إنفاذ الأجندة الإفريقية، وتعزيز السلم والأمن القاريين، وهذا التنسيق ليس مقتصرًا على الجانب السياسي، بل يمتد ليشمل التعاون التنموي والتجاري والطاقوي والأمني في مجالات حيوية، مثل مكافحة الإرهاب والمخدرات والجريمة المنظمة، ما يعزز الاستقرار الإقليمي في الأمد القريب». فضلاً عن ذلك، أبانت زيارة الرئيس كاغامي التاريخية إلى الجزائر، عن وجود رغبة حثيثة لدى البلدين الصديقين في تعزيز وتنويع تعاونهما في المجال الاقتصادي، ودعم الشراكات الثنائية وفق قاعدة رابح- رابح، مع تشجيع تدفق الاستثمارات في العديد من الميادين والقطاعات الإنتاجية، وفقا للمصدر. وأردف قائلا: «هذا التطلع بين الدولتين، مقترنًا بالنموذج التنموي الناجح لرواندا والقدرات الاقتصادية للجزائر، يفتح آفاقًا واسعة لمستقبل التعاون البيني، ليس فقط في التجارة، ولكن أيضاً في الاستثمارات المشتركة، حيث ستكون هذه العلاقة القوية نموذجًا لشراكة إفريقية متكاملة مبنية على التضامن التاريخي وتنسيق المواقف السياسية والدبلوماسية، وتوسيع التعاون الأمني والاقتصادي والثقافي».
تجربة رواندية رائدة
يرى دحماني أن التجربة التنموية الرواندية في قارة إفريقيا والعالم تعد رائدة، وتشكلت من خلال برامج وطنية خالية من الإملاءات الأجنبية والمديونية، وهو ما يتسق مع جهود الجزائر الحالية التي تشهد نهضة اقتصادية. ومن خلال رؤية 2020، عملت الدولة الرواندية على تقليل الاعتماد على المعونات والديون الخارجية، وتشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي، بالرغم من استمرارها في الحصول على بعض أشكال الدعم الدولي، إذ تركز عملها على بناء اقتصاد وطني قوي قائم على المعرفة، وتنمية القطاع الخاص، ومحاربة الفساد، واستقطاب الاستثمار المباشر بنوعيه المحلي والأجنبي. هناك إرادة قوية نحو الاستقلال الاقتصادي وتجنب الإملاءات الأجنبية لدى الجزائر وكيغالي، مع حرصهما على المواءمة مع الأجندات التنموية الإقليمية والدولية مثل أهداف التنمية المستدامة وأجندة الاتحاد الإفريقي 2063، يختم الباحث المتخصص في الدراسات الإفريقية بجامعة عمار ثليجي في ولاية الأغواط، البروفيسور العيد دحماني.