ذاكرة مكان

«خَـــداوج العمياء»... عنـدما يتحـوّل الجمـال إلى نقمــة

من بين القصص المثيرة للاهتمام قصة قصر «خَداوج العمياء» الكائن في أعالي منطقة القَصَبَة بالجزائر العاصمة، الذي اختلفت الروايات حول تحديد تاريخ بنائه؛ فمنها من أشارت إلى أن القصر شُيِّد عام 1570م على يد «يحيى رايس»، في حين، تقول مصادر أخرى، إن تشييده النهائي بشكله الحالي كان في 1792م من قبل «حسان الخزناجي» وزير التجارة في ديوان داي الجزائر آنذاك «محمد بن عثمان.
قصة «خدَاوج»
«خدَاوج» هو اسم «الدلع» في الدارجة الجزائرية لاسم «خديجة»، ويقال أيضا «خَدُّوجَة»؛ فهي بحسب الروايات التاريخية، امرأة عَجَز العلماء والفلاسفة عن إيصال حقيقتها كاملة، ولُقبت بـ»الأسطورة» التي رُوي عنها في عصر مضى، وبقيت حكايتها الممزوجة بين الواقع والخيال مبهمة إلى يومنا هذا.لكن المُتفق عليه في كل الروايات، أن «خداوج» كانت فتاة «فائقة الجمال»، حيث كانت تعيش في قصر فخم مع والدتها ووالدها وأختها الكبرى «فاطمة».
حياة «خداوج»، كما تذكر الروايات، كانت مختلفة عن حياة بنات سنها في عصرها، وحتى عن حياة شقيقتها، فكانت البنت المدللة باستمرار من والديها، خاصة من والدها الذي منحها اهتماما مبالغا فيه، وعند عودته من إحدى سفرياته، أحضر الوالد هدية لابنته «خداوج»، وكانت عبارة عن مرآة ثمينة من زجاج يشبه في لمعانه الألماس بزخرفات منقوشة على حواشيها، لتصبح صديقتها المفضلة.
أصبحت «خداوج» كثيرة النظر في المرآة، بعد أن صار جمالها يزداد يوما بعد يوم، وكانت كثيرة التسريح لشعرها وكثيرة التغيير لملابسها.
«خداوج» والعمى
تؤكد روايات تاريخية، أن الوزير «حسان الخزناجي» أقام حفلا في قصره، حضره عدد من الشخصيات المرموقة وسفراء دول، فأراد أن يُقدم لهم شيئا «يستدعي الإبهار»، فطلب من نساء القصر تزيين ابنته «خداوج» وإخراجها للزوار، وهو التزيين الذي استغرق لساعات كاملة.
بعد الانتهاء من التزيين، «زاد جمال الفتاة جمالا «لتظهر» مثل البدر في ليلة اكتماله» كما ذكرت الروايات، فخرجت إلى بهو القصر حتى يراها الزوار، فإذا بالنساء الحاضرات «يشهقن» أمام جمال «خداوج».
فسارعت الفتاة إلى غرفتها لتتأكد من «جمالها الأخاذ» بنفسها، وعندما نظرت إلى المرآة «صُدمت من فرط جمالها، وأصيبت بالعمى في تلك اللحظة»، ومنذ ذلك الوقت أصبحت تُلقب بـ»خداوج العمياء».
فَشل الأطباء والحكماء بعد ذلك في علاجها، وخوفا على مصيرها، قرر والدها أن يهديها القصر الذي كانوا يقطنون به، ضماناً لمستقبلها بعد موته، لتَتَعود «خداوج» على حياتها الجديدة، وعاشت في القصر مع أبناء أختها «عمر ونفيسة» اللذين اعتنيا بها، ما زادها تعلقا بالحياة، إلى أن توفيت في تاريخ بقي مجهولا إلى يومنا هذا. وبعد قرابة القرنين عن وفاة «خداوج»، استأجر القصر تاجر يهودي ثري يدعى «ميشيل كوهين بكري»، الذي جاء من مدينة جنوة الإيطالية للإقامة مع أسرته، وفي سنة 1860م، قرر «نابليون الثالث» أن يجعل من القصر مكانا لإقامته مع زوجته «أوجيني»، مفضلا هذا القصر عن بقية القصور التي كانت موجودة في العاصمة الجزائرية بعد احتلالها من قبل المستعمر الفرنسي، ليتحول عام 1987 إلى متحف وطني للفنون والتقاليد الشعبية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19838

العدد 19838

الجمعة 01 أوث 2025
العدد 19837

العدد 19837

الخميس 31 جويلية 2025
العدد 19836

العدد 19836

الأربعاء 30 جويلية 2025
العدد 19835

العدد 19835

الثلاثاء 29 جويلية 2025