الأخصائيـة النفسية والتربويـة أنيـسة معلــم لـ”الشعــب”:

هكذا نهيئ أبناءنا لاجتياز البكالوريا بثقة وهدوء

حوار: نضيرة نسيب

غدا.. امتحان شهادة البكالوريا.. تتصاعد درجات التوتر داخل البيوت، ويبدأ العدّ التنازلي في شحن الأجواء بالقلق والتوقعّات.. كثير من الأسر تعتبر الامتحان محطة مصيرية، ويعيش التلاميذ ضغطا نفسيا قد يؤثر على تركيزهم وأدائهم.. في هذا الحوار الخاص، تفتح الأخصائية النفسية والتربوية، أنيسة معلم لقراء جريدة “الشعب” نافذة لفهم طبيعة هذا القلق، وكيفية تحويله من عائق إلى محفّز..

الشعب: مع اقتراب امتحانات البكالوريا، يزداد التوتر داخل الأسر، ويجد كثير من التلاميذ أنفسهم في سباق مع الزمن. هل الامتحان فعلا مصيري كما يُصوَّر؟
 أنيسة معلم: هذا سؤال مُهم. علينا أن نوضّح أن الامتحان مُهم نعم، لكنه ليس “مصيريا” بالمعنى الذي يعطى له عادة. هناك اليوم مجالات كثيرة لتحقيق النجاح والتميّز. فليست كل الطرق تمرّ عبر الجامعة. التكوينات المهنية، التربصات، وحتى بعض المشاريع الخاصة، كلها مجالات تمنح فرصا للنجاح. وهذا لا يلغي أهمية الدراسة الجامعية، خاصّة لمن يرون فيها أفقا لمستقبلهم. لكننا يجب أن نوضّح تلك النظرة التي تربط بين امتحان واحد وبين المصير كلّه. حتى إعادة السنة ليست نهاية العالم، بل يمكن أن تكون فرصة ثمينة لمن يستثمرها جيّدا.
هذا يُطمئن كثيرا من الأولياء. لكن ماذا عن التوتر؟ كيف يمكن التعامل معه؟
 القلق من الامتحان أمر طبيعي تماما، وهو ليس عدوا لنا، بل رد فعل بيولوجي. الجسم يفرز هرمونات القلق بطريقة لا إرادية لمواجهة التحدّيات. الله تعالى يقول: “إِنَّا خَلَقْنَا كُلَّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ”، وهذا يشمل مشاعرنا أيضا. غياب التوتر تماما قد يعني عدم إدراك لحجم المسؤولية، أما التوتر المفرط فقد يعيق الأداء. ما نحتاجه هو مستوى معتدل من القلق، يكون محفزا لا معيقا. لهذا، يجب ألا نفزع من القلق، بل نتعامل معه كصديق نعرفه ونتوقّع زيارته ونتجهّز بالطريقة الأمثل للتعامل معه.
وماذا عن عشية الامتحان؟ ما الذي تنصحون به من حيث المراجعة؟
 المراجعة في الليلة التي تسبق الامتحان يجب أن تكون بسيطة ومنظّمة. يجب توزيع الوقت بدّقة على المواد التي سيجتازها الطالب في اليوم الموالي. تقسيم الوقت بين المادتين يكون إما بالتساوي أو بحسب درجة جاهزية الطالب. من التقنيات الفعّالة أنصح باستخدام الخرائط الذهنية، حيث نرسم مخططا فيه العناوين الكبرى، ثم العناوين الفرعية، ثم التفرعات التي تتضمن تواريخ، شخصيات، أرقام، إحصائيات، محطات مهمة... هذا يساعد على التحقق من المعلومات المخزّنة في الذاكرة.
هل تنصحون بالدخول في تفاصيل الدروس؟
 لا إطلاقا. مراجعة التفاصيل الدقيقة قبل الامتحان خطأ شائع. الدماغ تحت الضغط لا يستدعي كل المعلومات الدقيقة بسهولة، بل يفقد تركيزه ويخيّل للتلميذ أنه نسي كل ما سبق وأن درسه وتعلمه. ولهذا، ننصح بما نسميه “إطلالة شاملة”، أي مراجعة عامة دون غوص في الجزئيات. كذلك، يجب إعطاء وقت للراحة، والحصول على قسط كاف من النوم، لأن ذلك يؤثر مباشرة على التركيز في اليوم الموالي.
وماذا عن التغذية؟ كثير من التلاميذ لا يأكلون جيداً ليلة الامتحان.
صحيح، وهذا خطأ آخر. يجب تناول وجبة خفيفة ومتوازنة ليلة الامتحان، وتفادي الأكل خارج البيت. أكل الوجبات الثقيلة أو غير الآمنة قد يسبب اضطرابات في المعدة، وهو ما لا نحتاجه إطلاقا في هذا التوقيت. كما أن التلميذ يجب أن يكون قد تدارك مسبقا أي مشاكل صحية مثل تسوس الأسنان وغيرها.
وماذا عن يوم الامتحان؟ كيف يتعامل الطالب مع تفاصيله؟
 أولا، يستحسن زيارة مركز الامتحان قبل موعده بيوم. هذا يسمح للطالب بمعرفة المسافة والوقت والوسيلة الأنسب للوصول، لتفادي التأخر أو الغياب، وهي أمور تتكرر كثيرا في اليوم الأول. عند استلام الورقة، يجب قراءة جميع الأسئلة بهدوء، ثم البدء بالسؤال الأسهل أو الأكثر نقاطا. تقسيم الوقت مهم جدا، كما يجب تحديد السؤال الذي يشعر الطالب أنه يمتلك فيه “زادا” معرفيا جيّدا.
هل تنصحون باستخدام المسودة؟
 بالتأكيد. المسودة مهمة جدا. ويخطئ من يستهين بها. هي تساعد في ترتيب الأفكار، وتفادي الأخطاء. عند اقتراح موضوعين للاختيار يجب أن لا يضيع المترشح الوقت في التردد لاختيار أحدهما بل يقوم بالاختيار لكسب الوقت.  وفي حالة ما إذا كان مترددا أمام إجابتين لسؤال واحد فهنا الاختيار يكون عن طريق التفكير في كلتي الإجابتين، ثم اختيار الأقرب إلى الصواب. الطالب هنا الناجح هو من يقرّر بثقة ويفكّر بهدوء. ومن أهم الأمور التي يجب الاهتمام بها هي الكتابة بخط واضح ونظيف وهذا ضروري. إن المصحّح ليس لديه الوقت أن يفك شيفرة الخط غير المقروء سيما كانت الإجابة صحيحة أو خاطئة من المستحسن جعل الخط مفتوح بين الحرف وغيره حتى يتمكن المصحّح من قراءته وفهم الكلمات.
هل للمراجعة الجماعية فائدة عشيّة الامتحان؟
 يمكن أن تكون مفيدة فقط إذا كانت الأجواء إيجابية. لكن إذا كان الزملاء يبعثون رسائل سلبية أو يخلقون توترا، من الأفضل تفاديها. إن شعَر الطالب بعدم تمكنه من نقطة معينة، يمكنه إلقاء نظرة سريعة أو حلّ تمرين بسيط، شرط ألا يدخل في دوامة من القلق.
بالنسبة للتنظيم داخل المنزل، ما الذي يجب أن يقوم به الأولياء؟
 على الأولياء أن يهيئوا جوا هادئا، ويبتعدوا عن الضغط. لا وعود مشروطة بالنجاح، ولا نقاش حول “ماذا فعلت؟” بعد كل امتحان. لا مقارنات مع الإخوة أو الزملاء. يتركون أبناءهم يأكلون وينامون بطبيعتهم، ويحرصون على التغذية الجيدة والنوم الهادئ.
هل من نصائح أخرى  قبل الامتحان وبعده؟
 نعم.. قبل الامتحان، يفضل تجهيز كل الوثائق، مثل بطاقة التعريف والاستدعاء، مع الاحتفاظ بنسخ في حال الضياع. في يوم الامتحان، يجب تناول فطور متوازن، والابتعاد عن المبالغة في التفاصيل حتى لا يشعر الطالب أنه نسي كل شيء. لا ينصح بفتح الكراريس قبل الدخول الى قاعة الامتحان، بل يفضل بعض الذكر والآيات القرآنية لتثبيت القلب. في حال التوتر، هناك تمارين تنفس فعالة: شهيق في أربع ثوان، حبس النفس أربع ثوان، زفير في ثمان ثوان، وتكرر لتهدئة النفس.
بعد الامتحان، لا فائدة من الاستماع إلى تقييمات الآخرين أو الأساتذة، فهي قد تزرع الشك. يجب الحفاظ على الجاهزية النفسية، والابتعاد عن المنبهات والسهر. وأهم شيء: الثقة بالله، فمن جدّ طوال السنة، لن يضيّع الله تعبه.
شكرا جزيلا لكم على هذا الحوار الثرّي والمفيد. هل من كلمة أخيرة..
بل الشكر لكم، وأتمنى لكل التلاميذ التوفيق والنجاح، وأن يجتازوا هذه الفترة بكل ثقة وهدوء ورضا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19797

العدد 19797

الأحد 15 جوان 2025
العدد 19796

العدد 19796

السبت 14 جوان 2025
العدد 19795

العدد 19795

الخميس 12 جوان 2025
العدد 19794

العدد 19794

الأربعاء 11 جوان 2025