بين زحام التحضير للامتحانات والتوقعات النهائية للنتائج في آخر السنة الدراسية، يعيش آلاف الطلاب يوميا تحت وطأة ضغوط نفسية متصاعدة، غالبا ما تمر دون أن يلاحظها أحد.
في ظل هذا الواقع، تتصاعد التحذيرات من طرف الأخصائيين من خطورة تنامي الإجهاد الذهني بين الشباب، وما قد يسببه من آثار صحية وتعليمية مقلقة، تجعل من هذه الظاهرة تحديا حقيقيا يفرض نفسه على المؤسسات التعليمية والصحية على حد سواء.
توصلت نتائج دراسة نشرتها مجلة بي. أم. س. بسيكولوجي عام 2023، إلى أن أكثر من 65% من طلاب الجامعات يعانون من مستويات مرتفعة من التوتر والضغط الأكاديمي، خصوصا خلال فترات الامتحانات. ولا تقتصر تداعيات هذا التوتر على النواحي النفسية، بل تشمل أعراضا جسدية من بينها اضطرابات النوم، فقدان الشهية، والصداع المستمر.
آثار نفسية وجسدية
وتُظهر دراسة أخرى منشورة في فرونتير إن بسيكولوجي أن تراكم المهام الدراسية وضغط الأداء يؤدي إلى حالات من “الاحتراق الذهني”، وهي حالة من الإرهاق العقلي المستمر تفقد الطالب حماسه ودافعيته وتقلل من قدرته على الاستمرار في الدراسة أو تحقيق الإنجاز.
من الناحية الصحية، أفاد تقرير صادر عن جورنال أوف أمريكان كولاج هيلث أن الإجهاد الذهني المزمن يرفع من مستويات هرمون الكورتيزول، ما يؤثر سلبا على الجهاز المناعي، ويزيد من احتمالية الإصابة بأمراض مثل القولون العصبي، الأرق، واضطرابات القلب.
ورغم التراجع النسبي في تأثير جائحة كوفيد-19، إلا أن التعليم الرقمي خلف إرثا مستمرا من الإرهاق الرقمي والانعزال الاجتماعي، وهو ما رصدته دراسات حديثة في عام 2025. فالاستخدام المكثف للأجهزة، إلى جانب غياب التفاعل البشري المباشر، ضاعف من الضغوط على الطلبة، وأثر على تركيزهم واستقرارهم النفسي.
حلول وتوصيات علمية
في المقابل، تقترح الدراسات العلمية حلولا فعالة، مثل برامج تمارين التنفس وتقنيات اليقظة الذهنية (Mindfulness)، التي أثبتت فعاليتها في تقليل التوتر وتحسين الحالة النفسية. كما أظهرت مبادرات الدعم النفسي الجماعي نتائج إيجابية في تعزيز القدرة على التكيف مع ضغوط الحياة الدراسية.
كما أكدت في هذا الصدد توصيات منظمة الصحة العالمية في تقريرها لعام 2025 ضرورة دمج برامج الصحة النفسية في المؤسسات التعليمية، وتدريب المؤطرين التربويين على رصد مؤشرات التوتر لدى الطلبة في مراحلها المبكرة، والعمل على تطوير بيئات تعليمية أكثر مرونة ودعما نفسيا.
على العموم الإجهاد الذهني لم يعد حالة فردية تخص الطالب فحسب، بل تحديا مؤسسيا ومجتمعيا يتطلب اهتماما متزايدا من الجهات التربوية والصحية. فالتعليم لا يكتمل بالتحصيل وحده، بل يحتاج إلى بيئة تحترم التوازن النفسي والجسدي لضمان مستقبل تعليمي وصحي يرتكزان على قواعد علمية مرنة وصحيحة.