في يوم من أيام الذاكرة العربية المثقلة بالجراح، وعلى أرض الجزائر التي لا تنسى عهدها مع فلسطين، حلّ الوزير الفلسطيني أحمد أبو هولي، رئيس اللجنة العليا لإحياء ذكرى النكبة وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ضيفًا على جامع الجزائر، يوم الاثنين 21 من ذي القعدة 1446هـ، الموافق لـ 19 ماي 2025م، في زيارةٍ وُشّحت بعبق التاريخ ونبض القضية. كان في استقباله عميد جامع الجزائر، الشيخ محمد المأمون القاسمي الحسني الذي فتح أبواب الجامع الكبير، كما فُتحت قلوب الجزائريين دائمًا لأرض الإسراء والمعراج.
وبين مآذن المسجد العملاقة وصدى القرآن الذي يملأ جنباته، ألقى الشيخ القاسمي كلمةً رحّب فيها بالوفد الفلسطيني، مستحضرًا روابط الدم والمصير، ومجدّدًا عهد الجزائر الثابت: “الجزائر مع فلسطين، في السرّاء والضرّاء”.
وفي لهجة حملت لوعة الواقع وصدق الانتماء، حمّل عميد الجامع السياسات الغربية المتناقضة، وازدواجية المعايير، مسؤولية الصمت القاتل، والعجز الدولي المزمن أمام مشهد التهجير والإبادة، الذي يتكرّر منذ أكثر من سبعة عقود وسبعة أعوام. قالها بوضوح: ما تزال فلسطين تنزف، لأن العدالة أُخرِست، ولأنّ المبادئ تُوزن بمكاييل المصالح. ولم يكن حديثه مجرد موقف سياسي، بل استدعاء لذاكرة وطنية، إذ استحضر مقالات لشباب جزائريين، كُتبت عقب نكبة 1948م، جسّدت وعيًا مبكّرًا بواجب التضامن مع فلسطين، وروحًا جزائرية لا تنفصل عن قضايا الأمة. كما ذكّر بحملات التبرع التي انطلقت من قلب الجزائر آنذاك، تشهد أن فلسطين كانت - وما زالت - في قلب الشعب قبل أن تكون في أي بيان.
وفي ختام كلمته، وجّه دعاءً صادقًا لأهل فلسطين، بالفرج القريب والنصر المبين، مردفًا بثقة المؤمن: “وعد الآخرة آتٍ لا ريب فيه”. واستشهد بما يُشبه المعجزة: كيف تحوّل مشروع استعماري حمل اسم “الكاردينال لافيجري”، إلى منارة باسم سيّدنا محمد ﷺ، بفضل ثورة شعب، تمسّك بالإسلام، واتحدت كلمته تحت راية واحدة.
من جانبه، قال الوزير الفلسطيني أحمد أبو هولي، وقد غلبه التأثّر بمواقف الجزائر: “حين نبحث عن الثبات، نأتي إلى الجزائر؛ وحين نحتاج إلى السّند، لا نرى في الأفق إلا صوتها. العدوّ واحد، وبوصلتنا تتجه جميعًا نحو القدس الشريف”. وبين صدى الدعاء وقبسات التاريخ، تظل الجزائر، كما كانت دومًا، صامدة إلى جوار فلسطين..لا تغيّرها العواصف، ولا تساوم على الحق، ولا تنسى وجه القدس، ولو تراكم الغبار.
الجزائر تُخلّــد الذّاكـرة.. واللاّجـئ الفلسطينـي يُصافــح التّاريـخ
وفي رحاب متحف المجاهد وفي لحظة مشحونة بالرمزية والتاريخ، وفي قلب العاصمة الجزائرية، استقبل المتحف الوطني للمجاهد صباح الاثنين 19 ماي 2025 وفدًا رسميًا فلسطينيًا رفيع المستوى، ترأسه الوزير أحمد أبو هولي المسؤول عن ملف اللاجئين الفلسطينيين، رفقة السفير الفلسطيني بالجزائر وأعضاء الوفد المرافق له.
في زيارة تُجسّد عمق العلاقات التاريخية التي تربط الشعبين الجزائري والفلسطيني، وتعيد التأكيد على أن القضية الفلسطينية لا تزال في صلب الذاكرة الجزائرية والوجدان الوطني. انطلقت الزيارة بجولة داخل أروقة المتحف، حيث قدّمت إدارة المتحف شروحات وافية للوفد الزائر حول تاريخ الجزائر المجيد، الممتد من المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي في بدايات القرن التاسع عشر، مرورًا بمرحلة الحركة الوطنية السياسية والثقافية، وصولًا إلى الثورة التحريرية المجيدة التي اندلعت عام 1954، ودوّت في أرجاء العالم كأحد أبرز أنماط الكفاح من أجل التحرر الوطني في القرن العشرين.
وقد بدا التأثر واضحًا على الوزير الفلسطيني وأعضاء الوفد أمام ما عايشوه من تفاصيل حية، وصور نادرة، ووثائق وشهادات تعكس جسارة الجزائريين في انتزاع حريتهم من استعمار غاشم استمر لأكثر من 132 عامًا. الزيارة لم تكن مجرد وقوف أمام معروضات، بل كانت مواجهة مباشرة مع روح المقاومة الجزائرية، وتجديدًا للعهد على أن النضال من أجل الكرامة لا وطن له، بل هو مشترك بين الأحرار في كل زمان ومكان. وفي تصريحات له على هامش الزيارة، أكّد الوزير أحمد أبوهولى أن “الجزائر كانت دومًا الحضن الدافئ للقضية الفلسطينية، وأثبتت عبر تاريخها الطويل أنها بلد المبادئ الثابتة، وليست مجرد دولة داعمة بالخطابات، بل بالدم والمواقف والأفعال”.
وأضاف: “ما شهدناه اليوم في هذا المتحف العريق هو رسالة حية لكل فلسطيني بأنّ الطريق نحو الحرية لا يُعبّد إلا بالصبر والتضحيات، وأنّ الروح الجزائرية المنبعثة من هنا، قادرة على إنارة دروب نضالنا الفلسطيني”.
من جانبه، عبّر السّفير الفلسطيني عن امتنانه العميق للجزائر، شعبًا ومؤسّسات، على احتضانها الدائم للقضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أنّ زيارة المتحف الوطني للمجاهد ليست مجرد فعالية بروتوكولية، بل هي “رحلة إلى عمق الهوية التحررية الجزائرية التي ألهمت العديد من حركات المقاومة حول العالم، وفي مقدمتها المقاومة الفلسطينية”.
اختتمت الزّيارة بتوقيع الوزير الفلسطيني على السجل الذهبي للمتحف، حيث دوّن كلمات مؤثّرة تعكس إعجابه بالتاريخ النضالي للشعب الجزائري وتقديره العميق لهذا الصرح الذي يحفظ الذاكرة الوطنية، ويجسد قيم الوفاء والتضحية. كما تمّ تقديم هدية رمزية من طرف إدارة المتحف، عربون تقدير واعتراف بالمكانة الخاصة التي تحظى بها فلسطين في قلوب الجزائريين. إنّها ليست مجرد زيارة رسمية...بل هي محطة وجدانية تؤكد أن الجزائر لا تنسى فلسطين، وفلسطين لم تنسَ أن الجزائر كانت – ولا تزال – أرض الأحرار ومحراب الكفاح.
وفد منظّمة التّحريــر الفلـسطيـنيـة يحـيي جذوة الأخـوّة في دار الثــّورة الجــزائريـة
في رحلةٍ تحاكي عبق التاريخ، وتُشعل جذوة النضال المشترك، زار وفدٌ رفيع من منظمة التحرير الفلسطينية، برئاسة الدكتور أحمد أبو هولي، عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة، مقر جبهة التحرير الوطني الجزائري. وقد رافقه سعادة سفير دولة فلسطين لدى الجزائر، الدكتور فايز أبو عيطة، وعدد من أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني: السيد أحمد أبو حشيش، السيد حسن فرج، السيد تيسير نصرالله، السيد رائد نمر اللوزي، والسيد محمد عطا الله اللحام. في دار الجبهة، حيث ما تزال جدرانها تنبض بذكريات الثورة، كان في استقبالهم الأمين العام للجبهة، السيد عبد الكريم بن مبارك، برفقة لفيف من أعضاء اللجنة المركزية.
هناك، انعقد لقاء أخويٌّ، عابقٌ بالوفاء والتضامن، حيث جرى بحث آخر المستجدات في الساحة الفلسطينية، وسبل شدّ أواصر الدعم العربي والدولي لقضية ما زالت تطرق أبواب الضمير الإنساني. تحدث الدكتور أبو هولي بلسان الجرح الفلسطيني، مستعرضًا ما تمارسه آلة الاحتلال من جرائم ومجازر، لا سيّما في غزة الصامدة، حيث الإبادة تمضي بلا هوادة، والمخيمات والمدن تتعرّض لهجمة مسعورة تهدف إلى الاقتلاع وطمس الوجود.
كما شدّد على أن وحدة الصف الفلسطيني وتعزيز جسور الشراكة مع الأشقاء، وعلى رأسهم الجزائر، هي صمّام الأمان للبقاء والكرامة.
من جانبه، جدّد السيد عبد الكريم بن مبارك موقف الجزائر الأصيل، قائلاً: “فلسطين ستظل القلب النابض للأمة العربية والإسلامية، كما كانت الجزائر بالأمس، ستكون فلسطين اليوم، نجمًا في سماء الحرية لا يُخفت ضوؤه”، واستحضر في كلمته نضالات الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، مؤكدًا أن الاستعمار وإن طال، فمصيره الزوال، كما حُفِرَ في صفحات المجد. وفي ختام اللقاء، عبّر د . أبو هولي عن امتنانه العميق لحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، مؤكّدًا أنّ مثل هذه اللقاءات ليست مجرد زيارات بروتوكولية، بل هي جسور تُبنى بالحلم والتاريخ والدم المشترك، حتى تصل فلسطين إلى شاطئ الحرية والاستقلال.