في ظل تصاعد الجرائم المرتكبة ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزّة، تبرز تساؤلات قانونية وأخلاقية حول الصمت الدولي المطبق، بل والتواطؤ أحيانًا، تجاه واحدة من أبشع المآسي الإنسانية في العصر الحديث. فمع كل قصف يسقط على رؤوس الأبرياء، وكل مستشفى يُستهدف، وكل حي يُمحى عن الخارطة، تتجلى خروقات صارخة للقانون الدولي الإنساني، دون أن تقابلها إرادة سياسية حقيقية للمحاسبة أو الردع.
أولاً: الانتهاكات في ضوء القانون الدولي
تشير قواعد القانون الدولي الإنساني، وعلى رأسها اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، إلى وجوب حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، وضرورة التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية.
ومع ذلك، فقد وثّقت منظمات دولية، بما فيها الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، استخدام القوة المفرطة وغير المتناسبة من قبل الاحتلال الصهيوني ضد سكان غزّة، بما يشمل استهداف المدارس، والمستشفيات، ومخيمات اللاجئين، وهي أماكن محمية قانونًا.
كما تم رصد استخدام أسلحة محظورة دوليًا في مناطق مكتظة بالسكان، وهو ما يُعد جريمة حرب وفقًا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ثانيًا: الحصار كجريمة جماعية
منذ أكثر من 17 عامًا، يخضع قطاع غزّة لحصار خانق يشمل البر والبحر والجو، وهو ما يُشكل في حد ذاته عقوبة جماعية محرّمة بموجب القانون الدولي. فالحصار لا يقتصر على منع دخول المواد الغذائية والطبية فحسب، بل يمنع حتى خروج الجرحى والمرضى لتلقي العلاج، مما يضاعف المأساة الإنسانية ويعرّض أرواح المدنيين للخطر المستمر.
ثالثًا: الصمت الدولي وتسييس العدالة
رغم وضوح الجرائم المرتكبة، لم نشهد حتى اليوم إجراءات فعّالة لمساءلة مرتكبيها أمام المحاكم الدولية. وهنا تبرز إشكالية تسييس العدالة الدولية، إذ تعرقل بعض القوى الكبرى -التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان - أي مساعٍ لفتح تحقيقات جادة في الانتهاكات المرتكبة في غزّة، بل وتوفر الحماية السياسية والدبلوماسية للمجرمين، مما يُضعف هيبة القانون الدولي ويقوّض الثقة في المنظومة الأممية.
رابعًا: دور الشعوب والقانونيين
في ظل عجز المنظمات الدولية، تتجه الأنظار نحو الشعوب الحرة، ونحو النخب القانونية والأكاديمية، التي يقع على عاتقها توثيق الجرائم، وتحريك الرأي العام العالمي، ودفع المحاكم المحلية في بعض الدول لتفعيل مبدأ الولاية القضائية العالمية لملاحقة مجرمي الحرب.
ختامًا
إن استمرار نزيف غزّة، وسط صمت المجتمع الدولي، يمثل فضيحة أخلاقية وقانونية لا يجب أن تمر دون حساب. فإرادة الشعوب وقوة القانون، إذا ما تضافرت، قادرة على قلب الموازين. وغزّة، رغم الجراح، ستبقى عنوانًا للكرامة الإنسانية، ولن تنكسر.