منصـور شريــم

أسير أنجب من رحم القيد طفلًا اسمه صالح

بقلم: ثورة عرفات

 في مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية، وُلد منصور صالح منصور شريم عام 1977، في عائلة فلسطينية مناضلة عاشت تحت نير الاحتلال وصراعات الوطن. منذ طفولته، ترعرع على حب الأرض والكرامة، وتعلم معنى الصبر والمقاومة في أزقة مدينته.
مع اندلاع انتفاضة الأقصى، انخرط منصور في العمل الوطني، فبرز كأحد قادة كتائب شهداء الأقصى في طولكرم، مدافعًا عن قضيته حتى اعتقاله في نوفمبر 2002.
لكن خلف القضبان، لم تخمد روح المناضل، بل اتقدت أكثر. لم يسمح للظروف أن تكسر عزيمته، فبدأ مسيرته الجديدة داخل السجن، مسيرة العلم والمعرفة. حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية، ثم تابع دراساته ونال الماجستير في الدراسات الصهيونية، وفي تحدٍّ جديد سجل لنيل الدكتوراه بأطروحة بعنوان: “الديمقراطية الصهيونية وخروقاتها للقانون الدولي”، رغم أنه لم يبدأ الدراسة بسبب ظروف الأسر. وفي مسيرة مقاومته الإنسانية، عاش تجربة زواج داخل السجن من السيدة حمدة محفوظ، التي جسدت بكل معنى الكلمة إرادة المرأة الفلسطينية الصامدة، التي لم تنكسر رغم قسوة الفراق وظروف الاحتلال القاسية.
حمدة لم تكن مجرد زوجة أسير، بل كانت ركيزة دعم وصمود، حملت هموم وطنها وشاركت في تحدي الاحتلال بالثبات والإيمان بالقضية، وهي التي وقفت بكل قوة في وجه المحاولات القسرية التي استهدفت التفريق بينها وبين زوجها، وأثبتت أنّ إرادة المرأة الفلسطينية لا تُقهَر، وأنها جزء لا يتجزّأ من نضال شعبها.
تمكّن منصور من إنجاب طفلهما صالح عبر نطفة محرّرة مهرّبة، لتتجسّد الحياة بين الجدران، ويصبح صالح رمزًا لانتصار الإرادة الفلسطينية، التي لا تنكسر حتى في أشد اللحظات ظلمة.
عندما نزل الأسير المبعد منصور شريم أرض مصر، بعد أكثر من عقدين في سجون الاحتلال، لم يكن أول ما استقبله هو نسيم الحرية..بل وقعُ الفاجعة.
الخبر الأول الذي بلغه لم يكن عن وطنٍ ينتظره، بل عن فقدٍ نازف؛ فقد استُشهد شقيقه مأمون صالح شريم في 13 نوفمبر 2024، برصاص قوات الاحتلال، عن عمر 35 عامًا. خرج منصور من زنازين القيد ليُصفَع بأقسى نبأ…أخوه، رفيق عمره، رحل شهيدًا قبل أن يحتضنه حرًّا. هكذا بدّدت رصاصات العدو لحظة اللقاء التي حلم بها لسنوات. وبعد تحرره وإبعاده إلى جمهورية مصر العربية، تمكّن والده من زيارته هناك، بينما حرمت والدته من الزيارة بسبب منع الاحتلال لها من السفر.
لم يكن منصور مجرد أسير، بل كان معلمًا لزملائه الأسرى، ناشرًا للعلم والثقافة بينهم، مؤمنًا أن المقاومة لا تقتصر على السلاح، بل تمتد لتشمل الوعي والفكر. بعد أكثر من عشرين عامًا في سجون الاحتلال، نال منصور حريته عبر صفقة “طوفان الأحرار” عام 2025، لكنه بقي مبعدًا إلى مصر، ولا يزال مصيره مجهولًا كباقي الأسرى المبعدين، ينتظر الحرية الكاملة التي لا تؤجل.
إنّ قصّة منصور شريم، هي قصّة إنسان تحدّى القيد، وصنع حياة من رحم السجن، وأثبت أن الحرية تبدأ من داخل النفس قبل أن تتحقّق في الخارج. وطفله صالح هو أسمى شهادة على ذلك الانتصار.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19824

العدد 19824

الأربعاء 16 جويلية 2025
العدد 19823

العدد 19823

الثلاثاء 15 جويلية 2025
العدد 19822

العدد 19822

الإثنين 14 جويلية 2025
العدد 19821

العدد 19821

الأحد 13 جويلية 2025