أيقونة الأسير تُحطم هيبة الوزير..

بقلم: أمين الحاج

في لحظة مشحونة بالدلالات، ظهر الأسير مروان البرغوثي في مقطع فيديو قصير من داخل زنزانته نشره «بن غفير»، لم يكن مجرد صورة عابرة، بل استدعاء لذاكرة التاريخ، حين تحاول القوة الغاشمة إذلال رموز المقاومة، لكنها في النهاية تعيدهم إلى الواجهة، وتمنحهم حضورًا مضاعفًا، لم يكن ظهور البرغوثي صدفة، بل جاء متزامنًا مع إعلان «سموتريتش» خطته التي وصفها بأنها جاءت لدفن فكرة الدولة الفلسطينية نهائياً، عبر ربط القدس بالمستعمرات المحيطة بها، وشطر الضفة الغربية الى نصفين.

الخطة ليست مجرد مستعمرات جديدة، بل مشروع استراتيجي يهدف إلى خنق الجغرافيا الفلسطينية وجعل أي دولة مستقبلية بلا تواصل ولا عاصمة، ألمانيا ومعها دول أوروبية، ودول أُخرى عدة عبّرت عن رفضها، واعتبرت الخطوة غير قانونية لأنها تدمر حل الدولتين وتكشف نية الاحتلال في تكريس نظام فصل عنصري دائم، وبمقابل هذا الاعلان، جاء الفيديو من زنزانة البرغوثي ليجسد بعداً مكملاً؛ ليس فقط مصادرة الأرض، بل أيضاً القيادات والرموز الوطنية.
الأبعاد هنا تتجاوز حدود السجون والمستعمرات، بن غفير وهو وزير في حكومة يمينية متطرفة دخل بنفسه زنزانة أحد أكثر الأسرى رمزية، أراد أن يعلن أمام الكاميرا هزيمة الفلسطينيين، لكنه كشف في الحقيقة حجم خوفه من رجل يقبع منذ عقدين ونيف في السجن والعزل، ومع ذلك بقي حاضرًا في المخيال الفلسطيني، واحدًا من أكثر القيادات شعبية لقيادة المرحلة المقبلة، لقد أراد الوزير إذلال الأسير، لكنه أعاد اسمه وصورته إلى صدارة الإعلام، وربط مصيره بمصير الدولة التي يحاول هو وسموتريتش دفنها.
هناك غضب شعبي وشعور بأن المشروع الاستيطاني والتنكيل بالأسرى، فصلان من ذات المعركة، دولياً، جاءت الإدانات من منظمات حقوق الإنسان لتؤكد ان السلوك الاستعراضي لبن غفير يشكل انتهاكاً للقانون الدولي، أما على صعيد جمهور الاحتلال، فقد بدت الخطوة استعراضاً شخصياً يكرس صورة بن غفير كسياسي يعيش على الاستفزاز، وهو ما قد يحرجهم أمام حلفائهم. من الوهم الاعتقاد أن البرغوثي بعد ربع قرن في مواجهة السجان، هو ذاته المروان الذي دخل الزنازين مطلع الألفية، أو الذي عاد من المنفى في تسعينات أوسلو، يومها راهن على العملية السياسية كجسر نحو الدولة، لكن سنوات الاحتكاك اليومي بقهر السجن والسجان، لا يمكن أن تُبقي الرجل كما كان، فالعزلة الطويلة والحرمان، وتغول الاستيطان، وانكشاف خواء وعود المجتمع الدولي، جعلته نتاج تجربة قاسية نزعت عنها اندفاع الشباب، وشحنته روحه برؤية أكثر صلابة وعمقًا ووعيًا، فلم يعد مجرد رمز يلوح به الشارع، بل مشروع قيادة مختلف يدمج بين شرعية المقاومة ورمزية الأسر، وعودته المحتملة إلى المشهد ليست عودة أسير محرر فحسب، بل عودة زعيم، تصلّب مع محنة السجن، وعاد وهو يحمل رصيدًا سياسياً ومعنوياً مضاعفاً.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19858

العدد 19858

الإثنين 25 أوث 2025
العدد 19857

العدد 19857

الأحد 24 أوث 2025
العدد 19856

العدد 19856

السبت 23 أوث 2025
العدد 19855

العدد 19855

الخميس 21 أوث 2025