في الوقت الذي نما فيه عدد سكان الكرة الأرضية من مليون إلى 7.8 مليارات نسمة خلال الـ 10 آلاف سنة الأخيرة، يتّفق معظم علماء الأحياء على أنّ العالم قد دخل حالة الانقراض الجماعي السادس، وهو الأول منذ نهاية العصر الطباشيري قبل 66 مليون عام، عندما هلك أكثر من 80 % من جميع الأنواع، بما في ذلك الديناصورات غير الطائرة.
انقراض جماعي ونقص حاد
تتوفر لدى العلماء معلومات حول تقلص أحجام ونطاقات الكائنات الحية التي تتم دراستها بشكل أكبر، فقد تناقصت أعداد الفقاريات الأرضية بمقدار الثلث، وشهد العديد من الثدييات انخفاضا في النطاق بنسبة 80 % على الأقل خلال القرن الماضي.
كما يشير تقييم أجري في عام 2019 إلى أن نصف جميع البرمائيات معرض للخطر، إضافة إلى انقراض 2.5 % منها مؤخرا.
وانخفضت أعداد الطيور في جميع أنحاء أميركا الشمالية بمقدار 2.9 مليار منذ عام 1970. وبالنسبة للشعاب المرجانية، فلا يمكن للوضع أن يكون أكثر خطورة، فقد قدّر تقرير للأمم المتحدة لعام 2020 أن أكثر من مليون نوع معرضٌ لخطر الانقراض خلال العقود القليلة المقبلة.
أما بالنسبة لعالم الحشرات، فعلى الرغم من أن سلسلة من التقارير قد لفتت الانتباه إلى الانخفاضات في وفرتها وكتلتها الحيوية وثراء أنواعها وأحجام نطاقاتها، فإنه لا تتوفر معلومات كافية لتقدير مستويات انخفاضها كما يشير تقرير لصحيفة الغارديان (The Guardian) البريطانية حول موت الحشرات.
بحوث جديدة لدراسة الحشرات
لتعويض هذا النقص نشرت 11 ورقة بحثية جديدة في دورية «بي إن إيه إس» (PNAS) الأمريكية في 12 جانفي، استهدفت الأوراق التعرف على تدهور الحشرات من المنظور الجغرافي والبيئي والاجتماعي، وكذلك تقييم التهديدات الرئيسية، والتعمق في كيفية إدراك عامة الناس لمسألة انخفاض الحشرات، وإبداء الآراء حول الإجراءات التي يمكن اتخاذها لحماية الحشرات.
ويخلص التحليل الرئيسي الذي يضاف لـ 11 دراسة أخرى إلى أن الحشرات تعاني من الموت بشكل خطير، وأن هذا الانخفاض الحاد في أعداد الحشرات يمكن أن تكون له عواقب بيئية واقتصادية عالمية.
وتعد الحشرات إلى حد بعيد أكثر الكائنات تنوعا ووفرة على وجه الأرض، حيث توجد ملايين الأنواع منها، كما أنّها تفوق وزن البشر جميعا بـ 17 مرة.
وهي ضرورية للنظم البيئية التي تعتمد عليها البشرية، مثل تلقيح النباتات، وتوفير الغذاء لغيرها من الحيوانات وإعادة تدوير نفايات الطبيعة.
وبالرغم من أن الحشرات تواجه تهديدات متعددة ومتداخلة بما في ذلك تدمير الموائل البرية من أجل الزراعة والتحضر ومبيدات الآفات والتلوث الضوئي، فإنّ العلماء يشعرون بالقلق بشكل خاص من أن أزمة المناخ قد تسبب أضرارا جسيمة في المناطق الاستوائية.
وبالرغم من الحاجة إلى المزيد من البيانات لاستيضاح الأمور، فإن الباحثين يرون أن ما يكفي من المعلومات معروف بالفعل لاتخاذ إجراءات عاجلة لحماية عالم الحشرات.
ويقول البروفيسور ديفيد واغنر - من جامعة كونيتيكت في الولايات المتحدة (University of Connecticut)، المؤلف الرئيسي للتحليل - «إن أعداد الحشرات تتناقص بنسبة 1-2% سنويا، وهو معدل لا ينبغي اعتباره صغيرا، فهذا أمر مخيف للغاية إنه يمزق نسيج الحياة».
ويضيف واغنر أن «الحشرات معرضة حقا للجفاف، فهي عبارة عن مساحة سطحية ليس لها حجم». وبالتالي فإن حشرات مثل اليعسوب والرعاشات الصغيرة (damselflies) يمكن أن تجف حتى الموت في غضون ساعة حينما تنخفض الرطوبة للغاية.
انخفاض متسارع جدا
أظهر أكبر تقييم منهجي لوفرة الحشرات العالمية حتى الآن، والذي نُشر في أفريل 2020، انخفاضا بنسبة 25 % تقريبا في الـ 30 عاما الماضية، وأشار إلى أن الحشرات الأرضية تتناقص بما يقرب من 1 % سنويا.
كما حذّر الباحثون - ممن قاموا بأكبر تقييم سابق ونشر منذ عام، والذي استند إلى 73 دراسة - من «عواقب كارثية على بقاء الجنس البشري» إذا لم يتم وقف خسائر الحشرات. وكان هذا التقييم قد قدر معدل التراجع بـ 2.5% سنويا.
أما الأوراق الـ 11 المنشورة في (PNAS)، فقد قدرت بعض الانخفاضات والزيادات في أعداد الحشرات، بتراجع أعداد الفراشات بنسبة 50 % منذ عام 1976 في المملكة المتحدة وبنسبة 50 % منذ عام 1990 في هولندا.
كما أظهرت أن نطاقات الفراشات بدأت تتقلص منذ فترة طويلة، حيث انخفضت بنسبة 80 % بين عامي 1890 و1940.
ومع ذلك، توصلت دراسة أخرى، إلى أن حشرة العث أظهرت انخفاضا بسيطا على مدى العقدين الماضيين في الإكوادور وأريزونا بالولايات المتحدة.
ويقول رويل فان كلينك - من المركز الألماني لبحوث التنوع البيولوجي التكاملي (the German Centre for Integrative Biodiversity Research) - إن «أهم شيء نتعلمه من هذه الدراسات الجديدة هو التعقيد الكامن وراء انخفاض الحشرات، كما أنه لا يوجد حل واحد سريع لحل هذه المشكلة».
الصحافة البريطانية