مساحة أمل

نريد «إسلامنا» لا «إسلامكم»؟

فتيحة كلواز

الواحد تلو الآخر، يوم بعد يوم، ساعات تمضي لتكتب حروف الزمن ذكرياتنا بحلوها ومرّها، أحاسيس اختلط فيها الحزن بالفرح، التفاؤل بالتشاؤم، السّعادة بالتّعاسة التي غالبا ما تترك داخل كل واحد منّا أثرا نظنّه لا يندمل أبدا، لكن للحياة قفزات وتحوّلات لا نملك القدرة لفهمها، عاجزين عن تحديد قوانينها الدقيقة، لكن الأكيد أنه دوام الحال من المحال، وما بقي حال على حاله دهرا، هو كتاب الحياة الذي لا نعرف قواعد اللغة التي تكتبه إلاّ أنّنا نعي جيدا أنّ تجاربنا المتتالية بين النقيضين هي الحبر الذي يسيل على ورقه الأبيض ليكون أثر إنسان محكوم عليه بالموت والفناء، ولا خلود له سوى في أفعال يقوم بها حسب الظروف التي يعيشها.
هي حلقات إنسانية في كل يوم يرتفع عددها بواحدة تتلألأ، ويزداد لمعانها بما نقدّمه كإنسان الذي خلق ليكون خليفة في الأرض، خليفة ربّ كريم، ربّ سادت رحمته على عقابه، ربّ قال في علياء سمائه إنّه لو كان الإنسان لا يخطئ كان سبحانه خلق غيرنا ليخطئوا ويستغفروه، لكن الإنسان الذي وجد في مهمة مهدّدة قلب الموازين صارت جهنّم أقرب إلى قلبه من الجنة، بل البعض يراها لا تليق بغيره وكأنه الوحيد الذي يملك طريقا سالكا نحوها، رغم أن الصّحابة المبشّرين بالجنّة خافوا على أنفسهم الرّياء رغم مصاحبتهم للرّسول الكريم - صلّى اللّـه عليه وسلّم -
يتناسى أنّهم على مسافة زمنية قدرها 14 قرنا، ملكوا بين أيديهم مفاتيح الجنّة التي احتكروها وخصّصوها لمن هم نسخة طبق الأصل عنهم ولا أحد غيرهم، فبالنسبة لهم لا تكفي أركان الإسلام الخمس لدخوله، لذلك نراهم ونسمعهم يكفّرون هذا ويخرجون هذا من الملة، وهذا يرفضون الصلاة عليه في الجنازة، يرمون هذا بالفسق وذاك بالكبائر، فدرجة الايمان عندهم بعدد الأشخاص الذين يطلقون عليهم أحكامهم التي تتأرجح بين تكفير وتطبيق الحدود.
عبقريتهم العجيبة جعلتهم يتحاشون شروط إطلاق الأحكام، أو لنقل جهلهم حوّلهم إلى مجرّد ناسخة أحكام لتسليطها على الناس، وهو السبب وراء شدّتهم وتعصّبهم لأنّ العالم الحقيقي من أهم صفاته التّواضع لأنّه وسيلته لتعليم الناس، العصبية تلك لا تعدو سوى جدار من الاسمنت المسلّح يختفي وراء شخصية مهزوزة لا تؤمن إلا بالقوة والشدة رغم أنّ الرسول - صلى اللّـه عليه وسلّم - كان اللّين أهم صفاته؟
في بعض الأحيان أتساءل عن الإسلام الذي أصبحنا نتعرّف عليه من جديد رغم أنّنا تربّينا على مبادئه دون أن يكون في يوم من الأيام عبئا علينا، علّمنا آباؤنا كيف نعامل الناس بلين وتسامح، تعاملنا مع من هم أقل شانا منّا، ومن هم على غير ديننا ولكن لم يكن الاختلاف بالنسبة لنا سببا لرفض الآخر، بل تربّينا على ألاّ نعاشر سيّء الخلق وإن ادّعى الإسلام.
كان جدّي لوالدتي يتعامل مع سيّدة يهودية في بيع وشراء، كانت أمّي دائما تخبرنا أنها وأن كانت يهودية إلا أنها كسبت احترام جدي وآخرين من المسلمين فقط لأنها صادقة وصاحبة مبدأ، هذا هو الجوهر الذي نادى به الإسلام الذي أرسل للإنسانية جمعاء، وعلى اختلافها نظّم حياة الإنسان بكل تفاصيلها ولم يجعل الدين أو العرق واللون أو حتى المرتبة الاجتماعية رقما فاصلا في معاملاته.
الفيصل إذا أكبر من أن نحصره في لباس أو نمط معيشي معين، لأن الأصل سلامة الصدر والباقي توابع لها تأتي طواعية ودون مقاومة إن صلح باطن الواحد منّا، علينا قبل أن ننادي إلى ارتداء الحجاب أن نحجب قلوبنا عن السّوء والضّغينة والكراهية، قبل أن ننادي بقتل الزّاني علينا زن نقتل داخلنا زنى القلب والعين.
تعجّبت مرّة من رجل الظاهر عليه الإيمان والوقار، إلا أنّه لم يرحم مجنونة وكاد أن يقتلها لولا تدخّل بعض الناس بل صرخ في وجه أحد الشباب قائلا: «رفع عنها القلم، ألا تعرفها؟!»، كم من الأمثلة نعيشها يوميا تحيلنا دائما إلى سؤال واحد هو :»أيّ إسلام يطبّقون ويتعلّمون؟؟؟».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024