بالرغـم مــن رفع قيود كورونـا

مدن وأحياء سكنية غير معنية بالسّهرات الرّمضانية

معسكر: أم الخير - س

المقاهي..مـلاذ الصّائمـين بعـد الإفطـار فـي معسكــر

 تخلّى سكان معسكر نهائيا عن إجراءات التباعد الجسدي والإجراءات الوقائية التي لازموها طيلة الموسمين الماضيين من الشهر الفضيل الذي تزامن مع جائحة كوفيد-19، التي قلّصت كثيرا من السلوكيات المجتمعية المتعارف عليها بعد الإفطار على غرار السهرات الرمضانية وجلسات السمر العائلية.
 بعد عودة نشاط المقاهي الشعبية بعد موسمين من الإغلاق المبرر كإجراء لتفادي انتشار فيروس كورونا، تحوّلت هذه المحلات والفضاءات إلى قبلة لسكان معسكر بعد المساجد التي فتحت أبوابها للمصلين من الجنسين ومختلف الشرائح العمرية من أجل تأدية صلاة التراويح، حيث استقطبت هذه الأخيرة الآلاف من المصلين في اليومين الأولين للشهر الفضيل في أجواء إيمانية، أكثر ما ميّزها الترحيب بقرار رفع إجراء التباعد الجسدي، والسماح للنساء والأطفال بالصلاة .
ولو أنّ المدن الكبرى لولاية معسكر تعرف يوميا حالة من الاستنفار الشعبي في الأسواق والمحلات، غير أنّ ذلك يختلف ليلا بعد الإفطار باستثناء الحركة التي يعرفها محيط المساجد للمصلين، فلمجرد التجوال ليلا بالمدن الصغيرة يخيل لك أنّ الحجر الصحي ما زال يفرض نفسه على المواطنين، على غرار ما استطلعته «الشعب» بمدن «ماوسة»، «مطمور» و«تيزي» التي كادت تخلو من المارة في بعض الأحياء والشوارع الرئيسية.
عاصمة الولاية..الوجهة الأولى
 في محاولة منّا لاستقصاء أسباب خلو هذه المدن من سكانها بعد الإفطار في الأيام الأولى لرمضان، علمنا أنّ أغلبهم يغادر المنطقة بعد دقائق من الإفطار إلى مدينة معسكر التي تبعد بمسافات متقاربة عن المدن الثلاث، ففي بلدية ماوسة أخبرنا «هشام»، صاحب محل للمواد الغذائية، أن شباب المنطقة يغادرون بيوتهم بعد تناول قسط قليل من المأكولات الى عاصمة الولاية، فرادى وجماعات بوسائل النقل العامة أو الخاصة، ولا يعودون إلى بيوتهم إلا في حدود منتصف الليل، وأرجع محدّثنا سبب توجه شباب المنطقة جماعيا إلى مدينة معسكر، إلى غياب وسائل الترفيه والتسلية ببلدية ماوية، باستثناء المقاهي التي تمتلئ عن آخرها قبل العشاء، لدرجة أنك لن تجد طاولة للجلوس بمقاهي المدينة المنتشرة عموما بشارعها الرئيسي.
نفس الظاهرة لوحظت ببلدية مطمور، التي يُخيل للعابرين على طريقها الرئيسي أنّه يواجه مسيرة حاشدة لسكانها، الذين يتجمّعون في المقاهي، يتبادلون أطراف الأحاديث ثم ينصرفون إلى أعمال الفلاحة والتجارة على مستوى أسواق الجملة والأسواق المحلية، في ساعات متأخرة من الليل، الذي يعتبر فترة مناسبة للقيام ببعض الأشغال المؤجلة من يوم طويل من الصيام، على غرار «محمد»، 45 سنة، الذي أخبرنا أنه يغادر منزله بعد الإفطار مباشرة إلى أحد مقاهي بلدية مطمور، ليغادرها في حدود الساعة 11 ليلا إلى سوق الجملة بتيغنيف، الذي يعود منه فجرا بعد إتمام معاملات بيع وشراء الخضر، ثم يسلمها لمحلات التجزئة ليعود أدراجه إلى البيت منهكا، أين يمضي ثلث يومه في الاستراحة من تعب الليل ومشقة الصيام، قبل أن يعاود نفس الروتين بعد إفطار اليوم الموالي.
وبالنسبة لمحمد، فإنّ يوميات الصّائمين ببلدية مطمور تتشابه بالنسبة للعاملين في مجال الفلاحة وتجارة الخضر، فلا يجد سكان المنطقة مكانا يذهبون إليه بعد الإفطار باستثناء المقاهي الشعبية، أو التنقل إلى مدينة معسكر التي تبدو حسب «محمد» أكثر حياة وحركة بعد الإفطار.
غير أنّ سكان معسكر ورغم شوارعها التي تعج بالحركة ليلا، إلا أن فئة منهم دائمة التذمر من الملل، لاسيما بالنسبة للأحياء السكنية الجديدة التي لا تتوفر على فضاءات للتسلية، فتحولت إلى مراقد على غرار حي سكنات عدل والسكنات الاجتماعية بالمامونية، التي يخيم عليها الصمت بعد صلاة العشاء، عدا بعض الصخب الذي يثيره أطفال الحي، الذين لا يجدون هم الآخرين فسحة للتسلية غير الركض ولعبة «الغميضة».
مواقع التّواصل الاجتماعي البديل
بعيدا عن المقاهي التي تعتبر وجهة مفضلة للكثيرين بعد الإفطار، فإنّ مواقع التواصل الاجتماعي قد نجحت إلى حد ما في امتصاص الملل لتعويض أوقات الفراغ للصائمين قبل وبعد الإفطار، فالكثير من الصائمين من الجنسين ممّن طالهم مد التكنولوجيا يعيشون يوميات طويلة في تصفح المستجدات والدردشة الجماعية، واستغلال تواجدهم على مواقع التواصل الاجتماعي لتبادل الأحاديث، اللعب وتقاسم صور وملصقات عن طيب الذكر الحكيم، وغيرها من الأقوال والحكم ذات التأثير والبعد الاجتماعي والثقافي والسياسي الذي يشغل حيزا واسعا من اهتمامات الجزائريين عامة.
وإن نجحت مواقع التواصل الاجتماعي في جمع شتات البشر على عالم افتراضي بديل، ونجحت في فك عزلة سكان القرى والمناطق النائية، الذين صاروا يبحرون في هذه المواقع باستغلال ما تقدمه خدمات الهاتف النقال وتكنولوجيات الاتصال، فإنّها أيضا أفسدت سلوكيات أفراد المجتمع المحلي، بالنظر إلى تأثيرها القوي على الأفراد والجماعات، حتى صارت مواقع التواصل الاجتماعي بديلا للزيارات العائلية خلال شهر رمضان بل غيّرت باستعمالها غير العقلاني وتأثيرها السلبي سبل وصل الرحم، وذلك ما يفسر من جهة أسباب تراجع نسب تبادل الزيارات العائلية في فترة من الزمن لم يعد فيها الإبحار بشبكة الانترنيت مقتصرا على الفئة المتعلّمة أو المثقّفة فقط.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024