يقصدُونها من كل الولايات لاقتنائها

زلابية «بوفاريــك» الرّفيعــة تُحضّـر بالمنــازل

ريبورتاج: أحمد حفاف

عـروس حلويـات رمضـان تلقى رواجــا لـدى العائلـة

 تخطف الزلابية الأضواء من كل الحلويات التقليدية خلال شهر رمضان، وتتصدّر قائمة المأكولات الأكثر استهلاكا بالرغم من المنافسة التي تلقاها من حلويات أخرى مثل «قلب اللوز» والمرطبات، وعلى غرار جل مناطق الوطن يكثر في ولاية البليدة إنتاج الزلابية سواء من قبل المحلات المتخصصة في بيعها طوال السنة، أو عائلات تستغل الإقبال عليها خلال أيام الشهر الفضيل لتحقّق أرباحا معتبرة.

 ينتهز هؤلاء الطلب الكبير على الزلابية فيمتهنوا تحضيرها وحينما ينتهي الشهر يتوقّف نشاطهم، ويزاولون هذا النشاط في محلات يستأجرونها أو في منازلهم، وهذا ما توقفنا عليه بمدينة بوفاريك المشهورة بهذا النوع من الحلويات.

حرفـيّون ينشطـون طــــوال العـــــام

تتخصّص بعض المحلات في تحضير الزلابية طوال العام على غرار حلويات أخرى مثل «المقروط»، «الدزيرية»، «خبز تونس»، «بسبوسة» وغيرها وهي حلويات تقليدية تصنف على أنها شرقية، فيما تصنّف المرطبات على أنها غربية.
وفي شارع بوقرة تقع بعض محلات حرفيين يزاولون عملهم طوال السنة، ويقصدهم زوار من عدة ولايات لشراء «الزلابية» يقول أحدهم: «نحضر يوميا وطوال العام الزلابية، ويأتي إلينا الزبائن من ولايات بعيدة لشرائها مع حلويات أخرى نعرضها للبيع»، وأكّد المتحدّث بأنّ فئة الذين ينتجون الزلابية طوال العام يحوزون على بطاقة حرفي، ويدفعون الضرائب مقابل نشاطهم التجاري، ويستفيدون من الضمان الاجتماعي بدفع الاشتراكات السنوية لدى الصندوق الوطني للعمال غير الأجراء.
واعترف المتحدث بأنّ تطور تخصّص «المُرطبات» أثّر على نشاط الزلابية والحلويات الشرقية بشكل عام، ممّا أدى إلى توقف نشاط العديد من ممتهني صناعة الزلابية خلال العقد الأخير.

حركيــة تجاريــــة

 تعتبر بوفاريك مدينة استراتيجية، ويمر بها الطريق السيار شرق - غرب مما يجعل السفر إليها سهلا بالنسبة لزوارها القادمين من كل الولايات سواء القريبة أو البعيدة، كما أنّ الجزائر العاصمة لا تبعد عنها سوى 40 كيلو مترا، لذا لا يجد العاصميون حرجا للذهاب إليها في أي وقت لشراء «الزلابية» لهم ولأقربائهم أو أصدقائهم.
ولاشك أنّ الحركية التجارية التي تتميز بها بوفاريك تضمن توافدا كثيرا من التجار لقضاء حاجياتهم، فهي تتوفر على سوق للجملة للخضراوات والفواكه، كما أن أزقتها ممتلئة بمحلات تجارية ومتاجر لكل المواد والسلع، فالزائر لها خلال رمضان سيضرب عصفورين بحجر بقضاء الحاجة التي جاء من أجلها والعودة بـ «الزلابية» اللذيذة.
وحينما يتجول الزائر لمدينة بوفاريك في أزقتها، يمكنه أن يجد ما لم يخطر على باله من أكلة مثل الخبز التقليدي الذي تحضره بعض العائلات الفقيرة لمجابهة غلاء المعيشة، فيما يسترزق البعض ببيع «القصبر» والمعدنوس وأوراق «الديول» التي تستعمل في تحضير «البوراك».

حرفـــة موروثــة عـــن الأجــــداد

 تُعرف بوفاريك بجودة «الزلابية» وسط الجالية الجزائرية بالمهجر، فكثيرا ما يطلب الجزائريون الذين يعيشون في الغربة من أقربائهم أن يرسلوا لهم كمية منها، بل تُصنف ضمن الموروث الثقافي للمنطقة فهي لا تقل شأنا عن طبق «الكسكسي» المصنف عالميا.
ولا يتجاوز سعر الكيلوغرام الواحد من «الزلابية» 250 دينار جزائري في المحلات التي تمتهن صناعتها طوال السنة، كتلك القريبة من محطة سيارات الأجرة بالمدينة، أما النوعية الرفيعة فيصل سعرها إلى 300 دينار.
ونظرا لجودتها فهي تعرف الزلابية طوابير أمام محلات بيعها في الأحياء العتيقة، حيث تُحضّر من قبل العائلات في منازلهم أو محلات مستأجرة، لكن نشاطهم يبدأ مع حلول شهر رمضان ويتوقف معه نهايته.
وتوارثت عائلات أكسيل، بن شنون، بن شرقي وشيراف عن الأجداد كيفية تحضير الزلابية بطريقة جيدة، وبقيت محافظة على توفيرها للزبائن كل رمضان منذ عقود من الزمن، في «القصاري» العتيق، فيما يبيع أحد أفراد عائلة بن شرقي سلعته بشارع عليلي المؤدي إلى محطة القطار.
واللافت أن العائلات التي تمتهن تحضير الزلابية خلال الشهر الفضيل، يقصدها زبائن أوفياء كل سنة وحينما يأتون لا يشترون لأنفسهم فحسب، بل يقتنون حتى خمسة كيلوغرامات لتقديمها كهدايا، وهو ما توقفنا عليه في جولة تفقدية قمنا بها في مدينة بوفاريك.

 تنافــــس النّســــــوة وراء الجـــــودة!

 قال أحد الزبائن أتى لشراء الزلابية من بوفاريك رفقة صديقا له من عنابة: «منذ صغري أقتني الزلابية من عند خالتي فضيلة رحمها الله (من عائلة بن شرقي)، ولا أزال وفيّا لها بعد وفاتها وأشتري من عند ابنها».
وتابع المتحدث قائلا: «عائلة بن شرقي تُحضّر الزلابية بطريقة جيدة، والدليل أن من يشتريها يعود مجددا ليأخذ أخرى، وأعتقد أن سر جودتها هو أن النسوة تُشارك الرجال في تحضيرها وتحرص على أن يكون مذاقها لذيذ».
وأضاف مبرزا: «لا شك أن التنافس بين النساء حول جودة الزلابية يؤدي في النهاية إلى ذوق لذيذ لها، فكل امرأة تريد أن تحضرها أفضل من الأخرى، وربما هذا هو سر التفوق الذي عرفت به زلابية بوفاريك، وهذه الميزة غير متوفرة في فئة الرجال».
وعلى النقيض يقول أحد أفراد عائلة أكسيل:
«صحيح أن النساء تُشاركننا في تحضير الزلابية لكن سر الجودة تتحكم فيه احترام المقادير عند تحضيرها باستعمال المواد المستعملة بشكل دقيق يضمن لنا أن يكون مذاق المنتوج لذيذ».
وبين السلعة التي تنتجها العائلات بالمنازل والتي ينتجها الحرفيون طوال السنة، تبقى بوفاريك تشتهر بـ «الزلابية» الممتازة فتقصد المدينة من  الزائرين في رمضان وبقية أشهر السنة، حتى وإن كان الحصول عليها ممكنا أين يقطنون.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024