تعرف إقبالا كبيرا في شهر الصيام

“الديول”، “القطايف”، “المقطفة” و“الكسكس” أطباق لاستعادة “ريحة زمان”

 حرف تقليدية ورثها الأبناء عن الأجداد في القصبة

يزدهر نشاط الحرفيين المتخصصين في الطبخ التقليدي المصنفون في رتبة حفظة تراث الطبخ الجزائري خلال شهر رمضان، حيث يزداد الطلب على منتجاتهم بحثا عن وصفات ونكهات قديمة يسترجع متذوقه نفحات الماضي وبنَّة “زمان” المفقودة.

توارثوها أبًا عن جد

في هذا الصدد، صرحت راضية في الثلاثينات من العمر من القصبة العتيقة أنها بدأت في صنع أوراق الديول منذ حوالي عشر سنوات مشيرة الى أنها تنتج كمية أكبر خلال الشهر الفضيل، موضحة ان “ رمضان بالنسبة لي الأكثر مبيعا وربحا في السنة كلها بالنظر الى الاقبال الكبير على أوراق الديول المصنوعة بالطريقة التقليدية، حيث يعتبرها البعض ضرورية لإعداد البوراك اضافة إلى بعض الحلويات التقليدية التي تزين مائدة الفطور وأمسيات رمضان كالصامصة والمحنشة”.
في الوقت نفسه شاطرها الرأي زوجها علي حرفي متخصص في صناعة القطايف، قائلا وهو يراقب عن كثب آلته الدوارة المصممة خصيصا لصنع سلاسل طويلة من القطايف: “ لدينا أنا وزوجتي الكثير من الطلبات خلال شهر رمضان، هو بالفعل شهر الوفرة”، مضيفا: “ إنها آلة شبه صناعية تسهل العمل وتسمح بربح الوقت” مذكرا أنه في السابق كان تكوين هذه الألياف يتم عن طريق قوة المعصم باستخدام القمع.
وأوضح الحرفي بقوله: “يتكون زبائننا عامة من الجيران بالإضافة إلى الأشخاص الذين يأتون من سوستارة وباب الوادي لكن في بعض الأحيان نتلقى طلبات من خارج العاصمة”. ويمارس علي الذي ينحدر من عائلة معروفة بمنتوجاتها المحلية للطبخ هذه المهنة منذ ان كان عمره 18 سنة وهي مهارة ورثها عن والديه ويعتزم نقلها لأولاده.
وعلى بضعة أمتار من هذه العائلة الحرفية تسكن خالتي دوجة إحدى عميدات فن الطبخ التقليدي في القصبة، وفي ساحة بيتها ذو الطراز المغاربي جالسة أمام موقد الطهي (طابونة)، تحضر خالتي دوجة أوراق الديول بالطريقة التقليدية على طاجين مقلوب من البرونز.
وصرحت انه “ليس هناك أي سر في ذلك، إذ يحضر العجين المدلك باليد من السميد والماء وقليل من الملح”. وتحضر خالتي دوجة في وقت قصير عشرات أوراق الديول الدائرية والخفيفة الموضوعة على بعضها البعض.
وفي عمق الساحة توجد ابنتيها وزوجات ابنيها الثلاث، كل واحدة منهن جالسة أمام موقد الطهي يكررن نفس الحركات بنفس الخطى”. وقالت إحداهن ان “هذا العمل يستدعي كثيرا من الوقت والصبر خاصة”. حيث توجد إلى جانبها فطيمة زبونة قديمة تقول إنها تحب كل منتجاتها، معلقة ان “أطباقها الأصلية لا تضاهي تلك التي نحن متعودون على رؤيتها على اليوتيوب”.
عبق الماضي

الى جانب أوراق الديول التي يكثر عليها الطلب خلال الشهر الكريم، تستقبل هذه الحرفية الشغوفة عدة طلبات على الشخشوخة والرشتة والكسكس وحلوياتها التقليدية حيث قالت: “تزداد الطلبات بمناسبة الأعياد الدينية”، مشيرة الى فضائل هذه الأنشطة التي سمحت لعائلتها ان تبقى في منأى عن الحاجة، وشرحت قائلة: “الحمد لله لسنا أغنياء ولكننا على الأقل لا نفتقر إلى أي شيء”.
وولدت خالتي دوجة سنة 1943 في شارع  “لا لير” أحد أحياء القصبة السفلى، حيث أكدت أنها تعلمت الطبخ التقليدي في سن مبكر مثل جميع الفتيات في سنها، “رأيت أمي وجيرانها يصنعن الكسكس ويعجن الخبز في وعاء خشبي كبير ويجهزن أوراق الديول لطهيها فوق الجمر”.
كما أضافت المتحدثة بالقول: “كانت الفتيات الصغيرات يشاركن بشكل كامل في هذه الأنشطة الجماعية التي تعلمن من خلالها فنون الطبخ والأخلاق الحميدة في آن واحد”.
وبحنين كبير، لا تزال خالتي دوجة تتذكر عادات الأسبوعين الأخيرين من شهر شعبان المكرسة للاستعدادات لرمضان، فعلاوة على اعمال التنظيف وطلاء الجدران بالجير، كانت النسوة تعد طوال الشهر “المقطفة”، وهي نوع من العجائن الرفيعة والقصيرة التي كانت تشكل المكون الرئيسي للشوربة العاصمية بنكهة القصبر والنعناع، وترى المتحدثة ان هذه العادات والتقاليد القديمة تمثل تراثا متصلا بالهوية يجب نقله للأجيال الشابة من أجل الحفاظ عليه من النسيان.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024
العدد 19467

العدد 19467

الأحد 12 ماي 2024