المباني العتيقة بالمسيلة

نمــوذج للتكيف مع مناخ المنطقــة

تشكّل المباني العتيقة التي تقع على وجه الخصوص بأحياء «العرقوب» و»الكوش» بعاصمة ولاية المسيلة و»لومامين» ببوسعادة نموذجا للتكيف الحضري ذي الخصائص المناخية لمنطقة السهوب المعروفة بصيفها القصير الحار والجاف وشتائها الطويل والبارد، ودفع هذا المناخ بساكنة الحضنة إلى استخدام مواد البناء والتقنيات التي تسمح بالعزل الحراري والتي أثبتت فعاليتها.
فبالنسبة للمهندس المعماري أودينة عبد الواحد، فإن المباني العتيقة تشكّل إطارا معيشيا يأخذ بعين الاعتبار تقنيات البناء التي تتلاءم وتتكيف مع الظروف المناخية لولاية المسيلة، مشيرا إلى أن المنازل غالبا ما تشيد بمواد بناء محلية على غرار الحجارة و الطوب الترابي.
ويستخدم البنّاؤون سمكا للجدران الخارجي للبناية، ويحرصون على ارتفاع معين للمنزل مع وضع سقف يبلغ سمكه أزيد من 50 سم مكونا من الخشب المحلي وخشب العرعر والنخيل، مع تقليص حجم النوافذ إلى مربعات بطول 50 سم فقط، بحيث توفر النافذة التهوية والإضاءة دون السماح بفقدان الحرارة.
ويتم أيضا تهيئة المناطق المحيطة بالطوب المصنوع من الفخار أو الأحجار المصقولة بالإضافة إلى العزل المائي المكون من الطين المدعوم بأعمدة وبقطع عرضية من خشب العرعر، مثلما تمت الإشارة إليه، بحيث أن هذه التهيئة الخاصة تساهم في امتصاص وتخفيض درجات الحرارة في الصيف، والحفاظ على درجة حرارة معتدلة في الشتاء.
وغالبا ما تكون الفتحات الصغيرة المثبتة في جدران المنازل التي تكون مغلقة طيلة النهار مفتوحة خلال الليل لتصفية الهواء المنعش، الذي يساهم في الراحة الحرارية الداخلية للمنازل المبنية بالطوب والحجارة، حيث عندما تصل درجة الحرارة الخارجية في الظل إلى 44 درجة تنخفض داخل هذه المنازل إلى 34 درجة.
منزل «ايتيان ديني» نموذجا
ذكر في هذا السياق الدكتور حجاب مخلوفي، أستاذ بمعهد تسيير التقنيات الحضرية بجامعة المسيلة، بأن المنزل العتيق بمدن المسيلة غالبا ما يبنى باستخدام مواد بناء متوفرة بالقرب من مواقع البناء، ويعتبر منزل ايتيان ديني بحي «لومامين» ببوسعادة مثالا عن ذلك.
واستنادا لوثائق تاريخية تم الاطلاع عليها بأرشيف بلديتي المسيلة وبوسعادة على وجه الخصوص، فإن طريقة البناء منذ أكثر من قرن من الزمن لبوسعادة القديمة على غرار حي «لومامين» وكذا حيي «العرقوب» و «الكوش» بمدينة المسيلة تضمن درجة حرارة داخل المنازل أقل من 9 درجات مقارنة بالخارج خلال فصل الصيف، وتستقر بشكل مقبول خلال فصل الشتاء، فهذه الوضعية تسمح لأصحاب المنازل بحيي «الكوش» و»العرقوب» بالاستغناء عن مكيفات الهواء، حسب ما يؤكده العديد من السكان.
وفي بوسعادة القديمة لا يستخدم سكان هذه المنازل أو ما تبقى منها على الأقل مكيفات الهواء، ولا يشعرون أبدا بالحاجة إلى الحصول عليها.
فحسب السيدة «خضرة - ت» التي كبرت في بوسعادة القديمة، ولا زلت تقضي فصل الصيف هناك فإنها لا تحتاج إطلاقا لمكيف هواء لتبريد المنزل العائلي، الذي يحافظ على الراحة الحرارية، كما لا تحتاج خلال فصل الشتاء إلى جهاز تدفئة، ويبدو ذلك غريبا لأولئك الذين لم يعرفوا سوى البنايات الجديدة المنجزة بمواد صناعية، لكنه يظل حقيقة كما يؤكده المهندسون، فإن البناءون القدامى أجادوا استخدام التقنيات ومواد البناء الطبيعية.
وقد حرص حرفيون متمكنون وذوو خبرة في مجال البناء التقليدي الذين يطلق عليهم اسم «المعالم» على بناء هذه المنازل، لاسيما السقف الذي توضع عليه بعناية جذوع النخيل، ويتم تغطيته بطبقة من التربة الطينية محكمة الغلق تحول دون تسربات المياه، حسب ما ذكره سكان قدامى ببوسعادة العتيقة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024