اقتحمت حرفة كانت حكرا على الرجل

مخزر شامية تبدع في النّقش على النحاس

حوار: مفيدة طريفي

 هي امرأة فولاذية اقتحمت ميدان رجالي بامتياز تحدت الصعاب بالرغم من نعومة أناملها، وجعلت من هوسها بحرفة النقش على النحاس شغفها الوحيد. هي السيدة مخزر شامية، امرأة ولا كل النساء عاشت صغرها رفقة والدها الذي كان ينقش على الذهب، وتعيش هي اليوم ترسم بأناملها الرقيقة على النحاس، الذي كان أول اهتماماتها منذ أن كانت صغيرة.

«الشعب” التقت بها تعرض أهم ما جادت به من صناعات تقليدية أبهرت بها كل من يعشق الأواني النحاسية هاته التي تعتبر من أهم عادات وتقاليد المدينة العتيقة قسنطينة، هذه المرأة التي تحدت الصعاب بولوجها عالم النقش على النحاس كان لها معنا حوار شرحت لنا من خلاله كيف كانت بداياتها مع عالم يزاوله سوى الرجال.
 الشعب: من هي مخزر شامية؟ وكيف اخترت دخول عالم النقش على النحاس؟
السيدة مخزر شامية: أنا من مواليد مدينة قسنطينة 1961 م، حرفية في صناعة النقش على النحاس من النوع الثقيل، متخرّجة من غرفة الصناعات التقليدية، تحصّلت على الجائزة الأولى بالجزائر العاصمة من خلال قيامي بالعمل مباشرة بالمهرجان السادس للإبداع النسوي، دخلت الميدان عن حب، فكافة عائلتي شجّعتني لممارستها فمنذ الصغر كنت مولعة بالديكور والنحاس، وكانت منطقة “باردو” المعروفة بصناعة النحاس مكاني المفضل، حيث كنت أحب سماع الطقطقات التي تصدر عن هذه الصناعة، ومن هنا راودتني فكرة تعلم هذه الحرفة التي لطالما ما جذبتني وسكنت روحي، فكانت أوّل خطوة أخطوها هي التوجه نحو غرفة الصناعات والحرف التقليدية، حيث تمّ استقبالي من طرف رئيسة مصلحة الحرف بالغرفة، وتمكّنت أثناءها حضور فعاليات المتخرجين للدورة التكوينية للنحاس، وهنا تبادر لذهني سؤال لما كافة المتخرجين رجال؟ ولا توجد من بينهن نساء؟ فطرحت انشغالي لمدير الغرفة الذي كان حاضرا، وقدّمت اقتراح بإمكانية دخولي لمجال النقش على النحاس، لأتفاجأ بالرد الإيجابي لمدير الغرفة الذي شجعني بدوره لدخول الميدان بعدما ظل حكرا على الرجال مقترحا دخولي في الدورة القادمة للتعلم أبجديات الحرفة، ومن هنا بدأت مشواري مع عالم صناعة النحاس، حيث تمّ الاتصال بي لحظة فتح الدورة التكوينية الثانية للنقش على النحاس.
-  اقتحمت ميدان النّقش على النحاس عن إرادة وشغف، كيف كان شعورك؟
 نعم، إنّ اقتراحي جاء نتيجة شغف كبير لتعلم الحرفة، وبحكم أنّني كنت دائمة التردد على غرفة الصناعة التقليدية والحرف، ولدى تقديم اقتراحي للمدير تمّ قبولي مباشرة لأنهم كانوا يعلمون بمدى إصراري وإرادتي في تعلم هذه الحرفة، حيث أنّني شاركت في الدورة التكوينية التي عرفت حضور عدد كبير من الولايات، وكانت بها 8 ورشات تكوينية، وكان معظم المتكوّنين يعرفون مبادئ الحرفة، وكانت المرة الأولى بالنسبة لي حمل المطرقة التي تعتبر أهم أداة لتعلم حرفة النقش على النحاس، فكانت بداياتي في منطقة النحاسيين “بباردو” حيث تمكّنت من صناعة “السينية القسنطينية”، وبالمنطقة الصناعية على يد قارة سليم تعلّمت الأواني الدائرية، وكانت كل ورشة تدوم 5 أيام، حيث أنّني كنت أتلقّى الكثير من الدعم من طرف الحرفيين، وكنت في كل ورشة أتعلم شيئا جديد على غرار كيفية مسك مطرقة، وكذا المقطع والزبرة” والضرب على النحاس.
-  أكيد تعاملك لأوّل مرّة مع أدوات كانت حكرا على الرّجل تجربة فريدة، ألم تكن ثقيلة أو خشنة عليك كامرأة؟
 لا بالعكس فطريقة العمل بالوسائل اليدوية لم تؤثر على يداي، فالأمر يتعلق أكثر بكيفية العمل  بهم، فالإرادة والمرونة في الصناعة أهم نقطة لتنجح في ما تصنع، حيث أنّني وبعد التربص الذي قمت به وجدت نفسي اليوم أمام تحدي آخر، ألا وهو مواصلة العمل لتحقيق حلمي في فتح ورشة خاصة بتعليم النساء، والعمل على إخراج مصنوعات الخاصة بي شخصيا.
- ما هي أوّل تحفة فنية قمت بإنجازها؟
 السينية القسنطينية كانت أوّل أعمالي، حيث نقشتها وصنعتها بإتقان أنامل امرأة، فلم أشعر أبدا أنني أتعامل مع مادة أولية صلبة نوعا ما، وإنما حبي للحرفة جعلني أشعر وكأنّني أقوم بالرسم وفقط، وبعدها قمت بصناعة صناديق نحاسية وسكريات التي تعلّمتها على يد الحرفي القدير قارة سليم، حيث كانت كلما تصغر تتعقد أكثر، وتتطلّب تركيز وإتقان أكثر، وعليه علمني أهم شيء في حرفة النقش على النحاس، وهو “التركيز على حاسة السمع” عند الضرب على الزبرة، فكان الأستاذ يراقبنا من خلال وقع القرع على النحاس، وعلى أساسها يعلم هل أنت على الطريق الصحيح أم لا، كما علّمني الأستاذ “بريبر” كيفية صناعة “الطاسة” والأواني الدائرية، وهي تتطلّب القوة في العمل. وهنا أقول أن المرأة في حد ذاتها قوية، فيوميات المرأة تتطلب القوة في كل شيء، ثم بعدها تعلّمت بمنطقة الشالي صناعة “المرش” وكانت أصعب صناعة، فكلّما كانت الأواني صغيرة كلما تعقّدت العملية.  
- كلمة لنساء الجزائر، وكل من تحمل فكرة مبدعة؟
 أوجّه رسالة لكافة النساء الجزائريات على ضرورة تحقيق أحلامهن رغم الصّعاب والعراقيل، فالإرادة القوية تجعلك تحقّقين ما تصبين وراءه، وأن لا تدع عائق الإمكانيات تقف في وجه تحقيق أو تعلّم موهبة أو حرفة، فالعراقيل توجد فقط في العقل لا غير.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024