العودة إلى سحر الأعراس التقليدية بالدويرة

هكـذا صـارت «العاصميـات» تقمن الأفــراح بقلب القصبــة

فضيلة بودريش

العديد من العائلات الجزائرية وعلى وجه الخصوص العاصمية، صارت تحنّ إلى التقاليد العريقة في طريقة الاحتفاء بالأعراس، بكل ما تعلّق بالحلويات واللباس والقاعة والموسيقى و..و..، بل أن العاصميات عدن مرة أخرى لتنظيم أعراسهن على طريقة الجدات، وبالتحديد تأجير مطاعم صغيرة بالدويرة الكائنة بالقصبة، من أجل الظفر بجلسة عاصمية بحتة، بعيدا عن إغراءات العصرنة وصيحاتها الحديثة، وسط ديكور تقليدي جذاب، يعكس روح الأصالة التي مازال الكثيرون ينبضون بها، «الشعب» حضرت إحدى هذه الأعراس التقليدية، ونقلت أجواء رائعة، تحمل الحالم بها إلى الماضي الجميل، حيث كانت البساطة والطيبة والتآخي تشكل كلها، جمالا فريدا من نوعه.

كم جميل أن تحضر عرسا تقليديا ولأول مرة بالقصبة العتيقة، حيث يلتقي عدد محدود من النسوة في مطعم أجر كقاعة حفلات، غير أنه يتسع لنحو 30 شخصا فقط، مزين بموائد نحاسية وأفرشة وتحف تقليدية، ولن تجد فيه الكراسي بل وسائد تعلو أسّرة مستطيلة وزرابي تقليدية مزينة بشكل جيد مصنوعة بأنامل جزائريات بطريقة جد تقليدية، وحتى الأباريق والفناجين نحاسية، كل شيء حي وعتيق وساحر، إن حضور مثل هذه الأعراس نادر ومدهش ومفرح، بل إنها فكرة خاصة لا تخطر على بال الكثيرين، لأن العودة للاحتفاء بالأعراس في قلب القصبة، يعكس حجم افتخار الجزائريين بأصولهم وحفاظهم على التقاليد القديمة، ناهيك عن لباس أهل العروس، حيث كان تقليديا جميلا على غرار «القويط» و»الكراكو» وجبة «فرقاني».. كل شيء كان حقيقيا وناعما وبسيطا وساحرا في نفس الوقت.
أجواء خيالية لا تصدق
صحيح أن المطعم الذي يفتح أبوابه كل يوم لتقديم وجبات تقليدية وشاي وحلويات تقليدية، صغير الحجم ليس بحجم قاعة حفلات، لكنه حول القصبة إلى مكان سياحي بامتياز، فجميع أفواج السياح القاصدين اكتشاف القصبة، يتوقفون لتذوق أطباق عاصمية، من كسكسي إلى الرشتة والشخشوخة والسمك المشوي اللذيذ جدا، وكذا حلويات مع الشاي أو القهوة مثل البقلاوة والمقروط والتشاراك والمشوك وما إلى غير ذلك.
كن منبهرات وسعيدات ومستمتعات بعرس، انطلق على أنغام عاصمية، فتارة أغاني الحوزي، وتارة أخرى أجمل أغاني الشعبي الراقصة التي يهتز لها خصر وأكتاف الشابات والنساء على  حدّ سواء، وبعضهن اكتفين التعليق بعبارة «..إ نها أجواء خيالية لا تصدق..».
«.. المقربون من العروسة فقط هم المدعوون لهذا العرس الجميل، أي الأم والأخوات والخالات والعمات وزوجات الأخ، وإلى جانب بعض الصديقات والجارة المقربة، لا أكثر، لأن القاعة لا تتسع لأزيد من 35 مكانا، بل إن المكان ضيق جدا بالنسبة للعرس، ولا يتسنى للعروسة أن تأخذ راحتها في التقاط صور جميلة وخالدة، أي تخلد بها أجمل أيام العمر..» بهذه العبارات تحدثت أمال عواج شقيقة العروسة «ياسمين».. بينما والدتها رفضت الحديث بحجة أنها منشغلة بالضيوف وبكل التفاصيل المتعلقة بعرس ابنتها..  وقالت بعد العرس سأتحدث معكم.
دعوة لشخصين فقط
سألنا قريبة للعروس وتعد ابنة خالتها عن هذا الفرح الاستثنائي، فلم تخف أن المكان رهيب وساحر، علما أن عائلة العروس كما أخبرتنا، وجهت دعوة محددة لشخصين من كل عائلة حتى لا يغضب الجميع، وتعتقد بأنها نجحت في اختيار المكان وستكون «ترند» أي ستقتفي العديد من الفتيات المقبلات على الزواج بإقامة أعراسهن في هذه الأمكنة المعبقة بالعراقة والتي على حد تعبيرها ستقلص من تكاليف تأجير قاعة حفلات بمبلغ ضخم يقارب 400 ألف دينار أو أكثر.
وانجذبت إحدى المدعوات لتفاصيل العرس أي للحلويات التي كانت تزين الموائد النحاسية المنقوشة بشكل جميل، وكذا الحلويات التي وزعت على النسوة في سلات صغيرة صنعت بطريقة تقليدية، وقالت مقروط اللوز ومقروط لعسل والدزيريات والقنيدلات والصامصة والتشارك.. كل الحلويات مبهرة ولذيذة يمكنك أن تتذكر كما ردت «أيام زمان.. الأيام الزينة.. أيام الهمة والشان».
مدعوة أخرى أمدت بأنها خطفت هذه الفكرة المميزة وتنوي إقامة أعراسها المستقبلبة في هذا المكان لأنها ابنة القصبة أبا عن جد ووجدت نفسها تسكن في  بلدية «دالي إبراهيم»، وابتعدت عن المكان الذي نشأت وتربت فيه، وبالتالي ابتعدت عن تلك التقاليد التي زينت أفراح وأيام العاصميين.
زغاريد تتعالى في ذلك المطعم الصغير والجميل، وأغاني عاصمية عذبة من فضيلية الدزيرية إلى نعيمة الدزيرية ومطربي الشعبي، ما أضفى على العرس نكهة عاصمية، يصعب هذه الأيام العثور عليها في أعراسنا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19459

العدد 19459

الأربعاء 01 ماي 2024
العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024