بين الأمس واليوم

سعيد بن عياد
28 سبتمبر 2018

لم تكن المصالحة الوطنية خيارا ارتجاليا في وقت بلغت فيه الجزائر مرحلة الخطر القاتل بعد عشرية سوداء مظلمة كادت أن ترهن الأمة، وإنما شكّلت منعرجا حاسما على ما فيه من صعوبة، أمكن، بفضل الرؤية السديدة لحامها الرئيس بوتفليقة ومؤيدها الشعب الجزائري، وضع حد للمأساة الوطنية بكافة جوانبها الأمنية والإنسانية والاقتصادية وفتح أفق جديد ينير الدرب للمستقبل.
لقد عادت الجزائر من بوابة المصالحة، التي عكست مفهوما عميقا وشاملا استشارفيا لمسار اعتماد قانون الرحمة ثم الوئام المدني الذي تطور مرحليا إلى أن نضج حل الأزمة في صيغة مصالحة نقلت المجتمع بكافة أطيافه وانتماءاته الفكرية والسياسية إلى رحاب مرحلة طوت تلك السنوات الحالكة وأطفأت جمرة الفتنة الفتاكة التي أحرقت الخضر واليابس في ظل صمت وتآمر من بعض الدول التي أدركت متأخرة الخطر الإرهابي الممنهج.
في السجل الاقتصادي والاجتماعي غيرت المصالحة الوطنية الوضع في العمق، فتوقفت عمليات حل المؤسسات الاقتصادية العمومية التي التهمت حوالي ألف وحدة، واختفى هاجس الخوصصة التي تغذت في ظل أزمة سنوات الدموع والدماء فشردت الآلاف من العمال، لولا المنصة الحمائية المحتشمة، وعادت الكرامة للإنسان بعد أن تحوّل في أتون الفتنة إلى مجرد رقم يدرج في إحصائيات.
لقد برزت الجزائر مجددا في المشهد العالمي بلدا جديرا بالاحترام بفضل التفاف شعبها وبقوة حول خيار السلم والهدوء والتعايش، والشروع في خوض غمار معركة البناء والتنمية، فأثمرت المصالحة، بكل ما تعكسه من قيم  التسامح والمودة والتراحم والتضامن، مكاسب كثيرة للمجتمع وفي كافة المجالات، ما يستوجب حمايتها وترقيتها كل يوم لمضاعفة إفرازاتها الطيبة للأجيال.
وتمثل حقّا شجرة باسقة تستظل بها الأجيال في مواجهة تهديدات متعددة الأشكال أخطرها تلك التي تتسلل إلى المجتمعات غير المدركة لمخاطر الفتن الداخلية الناجمة عن سوء تدبير الشأن التعدّدي والديمقراطي أو إتباع أوهام شعارات مهما كانت براقة، تحبك في الخارج لضرب وحدة الشعوب وكسر وتيرة التطور في البلدان الناشئة.
لقد وضعت المصالحة الشعب الجزائري في مواجهة واقعه ورسم مستقبله بإرادة خالصة في ظل التعددية والحرية والسلم، بعد أن فكّكت منظومة التخريب والقتل وعزلت أعداء الأمة، ليعود المواطن إلى طبيعته آنسانا متوازنا ومتطلعا للمستقبل، فزالت تلك الصورة النّمطية السلبية التي رسمت للجزائري، قبل أن يعود إلى مركزه في العالم، مقدما صورة رائعة للتعايش وقبول الآخر محليا ودوليا.
غير أن المصالحة لم تكن على الإطلاق هدفا بحد ذاته، وإنما هي جسر بني حجرا حجرا، وبأيدي جزائرية فكرة وانجازا، للعبور إلى  مصاف الشعوب المبدعة والمجتهدة، فتحولت فعلا البلاد إلى قبلة يأتي أليها من كل حدب وصوب عبر العالم للاستثمار والعمل والاقتداء في معالجة أزمات شبيهة بالتي أضرت بالجزائر.
وبعد أن أظهرت جدواها وحققت ما كان يدرج في خانة المعجزة، بالنظر لفداحة الخطر الإرهابي الذي تبين انه برنامج يستهدف تدمير الجزائر بالنظر لفاتورة الخسائر المادية والبشرية والنفسية، يجب أن لا يسقط مفهوم المصالحة من ذاكرة الفرد الجزائري فلا يقايضها ولا يقلل من ثقلها في حياته اليومية وفي بناء مستقبل الأجيال، لذلك ينبغي أن تتجدد كل يوم من خلال السلوكات والمواقف والرؤى حتى تفوّت الفرصة على أعداء الأمة، التي تحتضن كافة أبناء شعبها مهما اختلفوا في التوجهات والتصورات، طالما أنهم جميعا يشدّون بالنواجد على مكاسب حرية وسيادة بلادهم في كنف السلم والأمن والعمل وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024