من وحي المصالحة الوطنية

بقلم عبد الحكيم أوزر
29 سبتمبر 2018

لا يمكننا أن نتحدث عن المصالحة الوطنية، إذا لم نعرج على العشرية السوداء وما خلفته من مآس في سيلان الدم والدمار وتخريب البنى التحية، فنار الفتنة كانت مشتعلة بين أبناء الوطن الواحد، حيث عجز الساسة وكبار العقلاء عن إخمادها. وإذا تكلمنا عن لغة الأرقام 200 ألف ضحية ونحو مليون ونصف منكوب و1000 مليار دولار خسائر مادية ليس بالشيء الهين، ناهيك عن الانهيار النفسي لدى الشعب الجزائري جراء الحرب القذرة التي ما انفكت تدمر مكتسباته، وآلة القتل التي لم توقف رحاها طيلة عشر سنوات  كاملة.
مسببات العشرية السوداء
لا يمكن لأي كان أن يجزم قطعيا تحديد مسؤولية المتسبّب، لعدة عوامل أهمها الضبابية والسرية حول قضايا الاختلاف الحقيقية بين هذا وذاك، ولكن مهما كان الأمر ومهما بلغ الاختلاف مداه لا يبرر رفع السلاح ضد وطن عزيز انتزع استقلاله بالدم والدمع، فثلاثون سنة وقتها من عمر دولة لا يساوي شيئا، لأنه بكل بساطة مازالت في طور البناء والتشييد.
 بدل المساهمة كأفراد ومجتمع الارتقاء بوطننا لنجعله يلتحق بركب التقدم التكنولوجي والعلمي والاحتفاظ بقيمنا ومبادئنا ببعديه العربي الأمازيغي، للأسف شاركنا بطريقة أو أخرى في تدميره، لكن مهما قيل ويقال في موضوع المتسبب لا يمكن إدخاله من باب الدراية والمعرفة،لأن محكمة التاريخ هي وحدها الذي ستظهرالحقيقة كاملة وبدونها على صفحاته للأجيال القادمة وما دونه سراب يحسبه الظمآن ماء.
تعريف المصالحة الوطنية
يذكرني مصطلح المصالحة الوطنية بسؤال وجهته إلى الدكتور علي الكنز الباحث في علم الاجتماع بداية التسعينيات حول الحلول الناجعة التي يمكن أن تخرجنا من دوامة العنف، فأجابني بدون تردد: “لابد من إرادة سياسية تأتي من قائد يلهمه الله قوته لبسط المصالحة، فالعفو عند المقدرة سمة من سمات علو الهمة”.
ولا تختلف نظرة الدكتور علي الكنز عن باقي الطبقة المثقفة في الجزائر، الذين ساهموا بشكل كبير في انجاح المصالحة الوطنية بكتابتهم وتصريحاتهم في مختلف وسائل الاعلام الوطنية والدولية.
 ولعلّ صنّاع المصالحة والوحدة الوطنية في كلتا الحالتين الأقوياء، والقوة تكمن في صناعة السلام وهو عدم الخضوع للشروط الطرفين المتنازعين وفق المصالح الذاتية الضيقة، مهما كانت طبيعتها، إلا إذا  شعر الطرفان أن بينهما سلام يحقّق مصالح  مشتركة من أجل الوطن المفدى.
أما مفهوم القوة والمعنى المتوخاة من المصالحة الوطنية، هو أن يدرك أن الطرف الثاني ليس عدوا داخليا ولا خارجيا، القوة هي تقديم تنازلات من أجل المصالحة الوطنية، فبالمواقف والإرادة فقط يعلو شأن من يحمل هذه الفكرة وبادر بها، وبالتالي التنازل من أجل الوطن لا يعتبر تنازلا بل عطاء مقتدر.
فوائد المصالحة الوطنية
لا ينكر أحد فوائد المصالحة الوطنية ولا يتجاهلها إلا جاحد. بعد الاستفتاء الشعبي يوم 29 سبتمبر 2005، على تدابير ميثاق السلم والمصالحة، عرفت الجزائر منعرجا حاسما في تاريخها بعد أن أفرزت نتائجه بنسبة 89 % بنعم وهي الأغلبية الساحقة من الشعب الجزائري، واعتبرها معجزة بما تحمله الكلمة من معنى، فهذا التحوّل الكبير من القتل والدمار والكراهية والحقد بين مختلف ابناء الوطن الواحد، إلى ترسيخ الطمأنينة والعيش معا بسلام في حضن وطن عانى الكثير من ويلات الخلاف والتطاحن أغلبها مفتعلة.
بعد 13 سنة من حقن دماء الجزائريين وإطفاء نار الفتنة، بفضل التضحيات ووعي الشعب تحت قيادة رئيس الجمهورية، صاحب الفضل في المبادرة والمشروع التاريخي التف عامة الناس حوله لبناء دولة مؤسسات وبعثت مشاريع كبرى في مختلف الميادين، ولو ذكرتها بالتفاصيل والأرقام لا تكفي صفحات كتاب بحجم مجلد.
الخاتمـــــــــة:
إن نجاح المصالحة الوطنية في الجزائر، لم تأت هكذا بارتجالية، ولكنها جاءت بفضل من حمل على عاتقه هذه المسؤولية من جهة، ومن جهة أخرى أن المجتمع الجزائري له خصوصيات عن باقي المجتمعات لا يمكن أن يستهان به. أن التجربة الجزائرية فريدة من نوعها في العالم وهي محلّ دراسات وأبحاث أكاديمية عالية في الجامعات الأمريكية والأوروبية. أما القلة القليلة التي تنتقد المصالحة الوطنية هما نوعان:
النوع الأول: هي الفئة التي كانت تعيش سنوات الجمر وراء البحار، فلم تشعر بالأمن الذي نتمتع به اليوم.
النوع الثاني: هي الفئة التي تطلق سمومها في أوساط الشعب بغرض خلق جو من  اللا إستقرار لتخدم مصالحها الذاتية.
وعليه، لابد على الشعب الجزائري أن يحافظ على وحدته وأمنه ويسعى قدما إلى الأمام لبناء و طنه لضمان مستقبل أبنائه فليس لهم وطن آخر سوى الجزائر، ولا يلتفت إلى الوراء فالوقت ضيق لا يضيعه مع أولئك  مصابين بحاسة الشم لا يفرقون بين الوردة الاصطناعية والوردة الطبيعية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024