السّينما..التي أعرف

أسامة إفراح
30 سبتمبر 2018

يقول ميلان كونديرا في روايته “الخلود”: “في السينما، عندما يموت شخص ما، تسمع موسيقى رثائية على الفور، لكن في حياتنا، عندما يموت شخص ما نعرفه، لا تُسمَع أي موسيقى”.
إنّ السينما عالم مختلف تماما، قائم بذاته، يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها، قد تعبر عن الواقع بصدق ووفاء، كما قد تخلق واقعا جديدا وخيالا يمكن أن يتحول إلى حقيقة.
والحقيقة، هي أن منحى السينما في الجزائر يشهد تذبذبا حتى لا نقول تراجعا وضمورا..إذ لا تكفي بعض الجوائز التي تفتكها أفلامنا في هذا المهرجان أو ذاك، لتنوب عن دور السينما الاجتماعي..بلى، السينما أداة تنشئة وبناء مجتمع.
السينما إبداع..وإذا كنا سنتطرق إلى مختلف ركائز العمل السينمائي، الذي يراه كثيرون صناعة لها أسسها وقواعدها المتعارف عليها، فإنّنا نؤكد قبل كل شيء على أنها فن، بمعنى أنها تجسيد لعملية إبداعية يختص بها الإنسان دون غيره من المخلوقات، ولا يجوز أن نربطها دائما بثمار آنية وعاجلة، أو أن نربط جدواها بمجرد الشق الربحي.
وإذا كانت السينما تشترط الإبداع، فإنّ الإبداع بدوره له بعض المحفّزات حتى لا نقول الشروط، وعلى رأسها البيئة التمكينية الإبداعية، التي تمكّن الفنان من التعبير عن مكنوناته بالطريقة التي يتقنها هو، والتي ينطق فيها بألسنة المؤمنين بفنه وإبداعه.
السينما صناعة..من أجل إنجاحها يجب توفير جميع الحلقات التي تتكون منها سلسلة الإنتاج، من المرحلة الإبداعية ككتابة النص والحوارات، ومرحلة الإنتاج وتصوير المشاهد، ومختلف مراحل ما بعد الإنتاج، وهي مراحل تتطلب تحكما تقنيا وماديا معتبرا. ولعل المرحلة الأهم التي تثمن كل هذا المجهود وتجعله ذا قيمة من جهة، وتسمح باسترجاع ما تم استثماره ماديا وتحقيق أرباح، هي مرحلة التوزيع. وهنا تكمن واحدة من أهم عوائق العمل السينمائي في الجزائر.
إنّه لا يمكن الحديث عن توزيع فيلم سينمائي في غياب قاعات العرض داخل البلاد، ناهيك عن غياب شبكة توزيع في أهم العواصم السينمائية العالمية. وإذا كان المشهد السينمائي العالمي يشهد تحولا في طرق التوزيع، خاصة مع ظهور المنصات الإلكترونية لعرض الأفلام وتنامي حصتها من الإنتاج السينمائي الحالي، فإن الحل الرقمي لمعضلة التوزيع عندنا يبدو بعيد المنال عن السوق الجزائرية، ولو إلى حين.
السينما مبادرة، وإيمان برسالة الفن السابع..إذ مقابل ما سبق، يشهد دور المبادرات الفردية والحلول التي يقدمها هواة السينما والمجتمع المدني تناميا مطّردا، ويتجلى ذلك في نوادي السينما المنتشرة في مختلف مناطق الوطن، والتي تسعى إلى أن تنتظم في شبكة وطنية على غرار ما هو حاصل في دول أخرى، وهي البادرة التي ميّزت أيام بجاية السينمائية مطلع الشهر المنقضي.
ملاحظتي التي أكرّرها دائما، تركتها في الأخير، وإن كان قد لمّح إليها ميلان كونديرا في مطلع المقال: ما دامت أعمالنا السينمائية تهتم بالصورة وتهمل الصوت، فإنها ستخرج إلى المشاهد عرجاء..مقارنة بسيطة بين الموسيقى التصويرية للأعمال الجزائرية التي رصّعت زمن الفن السابع الذهبي، وبين ما ننتجه اليوم، على قلّته، تثبت حقيقة هذه الإعاقة التي لا نتمناها مزمنة. هذه هي السينما التي أعرف، أو لنقل هي السينما التي أحلم بها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024