لحظة الحقيقة

سعيد بن عياد
13 أكتوير 2018

نقرأ في تاريخ الأمم أنّه عندما تشتد أزمة خانقة ترهن سيادة دولة لديها طموح مستحق للبقاء في أول الركب، أنّ كل القوى الحيّة تلتف حول خيار الخروج أكثر قوة من خلال انتهاج مسار صارم يقدم فيه من لديهم قدرات مالية أروع صور المواطنة. لكن هل يمكن ترقّب سلوكات جديرة من هذا القبيل من لدن الطبقة التي تملك مستوى عاليا من الرفاهية وتتوفر على موارد مالية «نائمة» في مصارف محلية أو أجنبية أو مكتنزة في أكياس وخزائن ما أنزل الله بها من سلطان، على غرار كبار البورجوازيين ورجال المال والأعمال وأصحاب المؤسسات الكبيرة؟
المؤشّرات السّلبية التي تقدّمها تقارير خبراء في الشأن الاقتصادي بالنسبة لمعادلة النمو، وتوقع أزمة مالية عالمية قادمة أشد من تلك التي ضربت الاقتصاد العالمي في 2008، تستدعي من عالم المؤسسات الجزائرية، وخاصة الفاعلين في السوق الاستثمارية، الانتباه إلى درجة الخطر الذي يلوح في أفق المشهد، من زاوية التوقعات التي تفيد بشح الموارد من السيولة بالعملة الصعبة، وبالتالي سوف لن يعطي «الإعصار» فرصة للاقتصاديات الضعيفة والهشّة بجميع مكوناته بما فيها المؤسسات التي لديها حدا أدنى من المناعة ظرفيا بطبيعة الحال. هناك بلدان مرت بمثل هكذا ظروف، استطاعت بفضل تغليب المصلحة الوطنية وإدراك قواها الاقتصادية على ضعفها، أن المخرج من الأزمة يتمثل في التحرك بانسجام من خلال الانخراط في ديناميكية إعادة بعث النمو، بوضع، كل من جانبه، ما يمكن من الموارد من سيولة نقدية ومواد ذات وزن في السوق تحت تصرف المنظومة الاقتصادية حماية للمكاسب وتعزيزا لقدرات إنعاش عجلة النمو. إذا كان مثل هذا الأمر لا يبدو في الوقت الراهن ممكنا، إلى حين تشكّل قناعة راسخة على مستوى الشركاء المكونين لقاطرة الحركية الاقتصادية ولو على قلّتهم، من القطاع الخاص بالأساس، فإنّ التحدي يستوجب مراجعة الحسابات وإعادة ضبط الأهداف بالنسبة للربح المسطر لكل متعامل، فلا يعقل في ظل أزمة تلقي بظلالها على السيادة الوطنية وتمتد آثارها لأجيال قادمة، أن يستمر متعاملون ورؤساء مؤسسات ومستثمرون في الإصرار على تحقيق نفس مستويات أرباح زمن البحبوحة. إنّه ليس من العدل أن لا يتحمّل كل طرف جانبا من عبء التداعيات التي تنجم عن الصدمة النفطية، إدراكا لحتمية الخطر الشامل والتزاما بالمواطنة الاقتصادية، التي لا ينبغي أن تبقى مجرد شعار يرفع في فترات الرّخاء لقطف ثمار الرفاهية ويختفي في غيرها بفعل أنانية مفرطة. حقيقة في مثل هذه الظروف يظهر ثقل كل واحد ويعرف معدنه، ولعل أقل مساهمة ممّن جمعوا ثروات وشيّدوا صروحا في عالم الاقتصاد والمال والأعمال بفضل سخاء الاستثمار العمومي ومرافقة استثنائية من الدولة لمشاريع حققت لأصحابها موارد غير عادية، أن يعيدوا ضخ جانب منها في تنشيط عجلة التنمية، بدءا بدفع الضرائب والتصريح بالعمال لدى الضمان الاجتماعي وإعادة استثمار الفوائد في مجالات إنتاجية والامتناع عن الغش وتطليق التهريب والكف عن تضخيم الفواتير ونبذ كل أشكال الفساد. إنها لحظة الحقيقة لوزن درجة الانتماء لوطن لم يبخل، بل وفي فترات ضاعف من العطاء دون خشية الكلفة لكل من أبدى إرادة للعمل ضمن الخيارات الوطنية الكبرى للرفع من درجة ازدهار الجزائر، التي تراهن على جميع مكوّنات المنظومة الاقتصادية بدون تمييز لإعطاء دفع قوي للاستثمار المنتج للقيمة المضافة في قطاعات الفلاحة والصناعة التحويلية وتدوير النفايات، إلى جانب السياحة واسعة النطاق والخدمات، وكلها تتطلب الإخلاص والعزيمة كون العائد في النهاية يكون لفائدة المجموعة الوطنية بكل مكوناتها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024
العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024