الذّاكرة تأبى الإحباط

سعيد بن عياد
30 أكتوير 2018

هل وفّينا تاريخ الثورة التحريرية كامل حقه في نقل مآثر جيل نوفمبر وصنّاع الحرية للأجيال الجديدة كقيمة ثابتة في الذاكرة؟ فلا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تؤثر فيها التحولات أو التغيّرات؟
في الذكرى الرابعة والستين لغرّة نوفمبر يعود الحدث محملا بخزان لا ينضب من البطولات والمواقف والتضحيات لتضخ مجدّدا مصل المناعة في المجموعة الوطنية بكل تنوعها واختلاف توجهاتها، واتساع نطاق تطلّعات أبنائها الذين يملكون أقدس وديعة تركها الشهداء للخلف وهي الحرية والسيادة. لقد تمخّضت شعلة الثورة المجيدة بعد مسار نضالي شاق ومرير منذ أن وطأت أقدام جيوش الاحتلال الفرنسي أرض الجزائر، من رحم خلافات في مرحلة تشتت فيها الرؤية وضاق الأفق، لولا أن ثلة من الرجال المصممين والعازمين العقد على أن لا ينال التعب منهم ولا الإحباط من إرادتهم وقّعوا ورقة الطريق الحاسمة.
إنه بيان أول نوفمبر الذي سطّر معالم الطريق الصعب، وأنار دروبه لتعبر الثورة على أجساد أبطال وهبوا كل ما لديهم من اجل تخليص شعبهم من عبودية طال ليلها وتحرير ارض نهبوا الاحتلال خيراتها. كانوا في ريعان الشباب لما نهضوا ليتحملوا المسؤولية الثقيلة منطلقين من العدم ماديا، لكن مرتكزين على قوة إيمانية خارقة بأن الفجر يلوح لا محالة في الأفق القريب. هذه الوثيقة التي تعد بحق بمثابة شهادة ميلاد ثورة التحرير ينبغي أن تصنف في خانة المراجع الجوهرية لحياة الأجيال، واستلهام العبر والمواقف من مضامينها التي منحت لمسيرة الثورة مناعة، وأعطته تلك الصلابة اللازمة في مواجهة كافة مناورات الاستعمار وإسقاط حساباته وفضح جرائمه في حق الجزائريين، الذين جسدوا من خلال ذلك الجيل أروع صور المقاومة ورفض الأمر الواقع والتمسك بشكل وثيق بخيار ثورة نوفمبر.
مهما كان الاهتمام والمتابعة والعمل حول كافة جوانب الثورة المجيدة، فإنها تستحق أكثر وفي كل المراحل ليس فقط من خلال إحياء المواعيد وتخليد الأحداث، ولكن أكثر في زمن العولمة من خلال ترسيخها في أذهان الأجيال حتى تتشبع الذاكرة بتلك المناعة وتتغذى الإرادة بتلك القوة الصادقة، وينار الدرب أمام المسيرة الوطنية التي ينجزها الشعب الجزائري في انسجام وتكاثف وتضامن وقد كادها أكثر من مرة في ظروف اتّسمت بالصعوبة وأحيانا بالخطر.
إنّ ميزة الشّعوب الحيّة التي تأبى أن تكون على هامش الأمم المتقدمة مهما أحاطت بها المصاعب وأعاقتها الظروف الطارئة، ومن بينها ما يحاك من دوائر أجنبية حاقدة أو طامعة، أن الخلف يتزوّد دوما من خزّان الذاكرة التي أنجزها السلف، كما هو الحال بالنسبة للشعب الجزائري المتمسّك بشكل يكاد يكون فريدا في العالم بتاريخه كاملا وبكل ما يزخر به من أحداث، فيتعامل بجرأة وأنفة مع فصوله بما في تلك المثيرة للجدل.
التاريخ هو الرقم الثابت في حياة الشعوب، ومن ثمة ينبغي التعامل معه بروح بناءة بحيث أن أفضل صور الصدق والوفاء للذاكرة أن ينقل كل فرد على مستواه تلك الصورة اللاّمعة الأبدية للثورة المثيرة لإعجاب الشعوب وتقدير الأمم المتشبعة بقيم الحرية والسلام. وهنا لا يزال المجال خصبا أمام المبدعين في شتى الميادين الفنية والأدبية والفكرية والإعلامية والثقافية لتقديم الإضافة المطلوبة ليبقى تاريخ الثورة تاجا على رؤوس الأجيال من خلال التعامل الموضوعي والمتبصر مع الأحداث، بحيث لا يمكن أبدا ترك فجوة يتسلل منها المناوئون لحكم التاريخ الذي يمثل لهم كابوسا يستعملون كمل الوسائل لإبعاده من المشهد، وهو ما لا يمكن أن يحدث في حالة الشعب الجزائري الذي يقدم أمام كل امتحان أروع الدروس في الذود عن المكاسب التي أنجزها جيل نوفمبر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024
العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024