إذا كانت حرب التحرير المجيدة التي نعيش ذكرى اندلاعها ٦٤ قد حرّرت أرض الجزائر وشعبها من براثن الاستعمار وقيوده الدّامية، فإن شعلتها لم تنر حياة الجزائريين فحسب، وإنّما امتدّت لتضيئ حياة شعوب كثيرة كانت مقيدة بأغلال محتلّين كثر، وإن تغيّرت أسماؤهم، فإن ممارساتهم الدّنيئة كانت متطابقة.
حرب التّحرير الجزائرية، التي حقّقت أعظم انتصار يمكن لشعب أن يحقّقه وهو يواجه أعتى قوة في ذلك التاريخ، كان لها صداها الكبير في الخارج وتأثيرها على مجموعة كبيرة من الدول التي قرّرت هي الأخرى أن تسير على درب الحرّية، فأشعلتها حروبا بإمكانيات محدودة، لكن بإرادة وتحدّي كبيرين، ما أثمر موجة تحرّر كبرى شملت العديد من الدول خاصة في القارة الأفريقية التي لا زالت إلى اليوم عندما تستذكر التّاريخ، تتحدّث بفخر واعتزاز عن الدّور الكبير لثورة الجزائر في انعتاق مجموعة دولها من الهيمنة الاستعمارية البغيضة.
والتّاريخ يسجّل بأنّ دولا كثيرة استمدّت شجاعتها من أبطال الجزائر الذين كسّروا نظرية حتمية التوازن العسكري لتحقيق النّصر وأتبثوا بأنّ عدم التكافؤ في الإمكانيات يمكن تعويضه بالأقدام والتّضحية، لهذا استجمعت شعوب كثيرة إرادتها وأعلنتها حروبا من أجل الحرية، فكانت موجّة تحرّر كبرى شملت ١٧ دولة إفريقية في سنة واحدة هي سنة ١٩٦٠، ١٤ منها كانت خاضعة للاحتلال الفرنسي.
إنّ الضغط الذي مارسته الثورة الجزائرية المجيدة، والمقاومة الباسلة للشعب الجزائري، جعلت فرنسا تضعف وتستسلم للهزيمة وتقبل مكرهة إستقلال عدد كبير من الدول الأفريقية دفعة واحدة بينها توغو، مدغشقر، بنين، النيجر، بوركينافاسو، كوت ديفوار، تشاد، مالي، جمهورية افريقيا الوسطى، الكنغو، الغابون، السنغال.
وكما يحفظ التّاريخ فضل الثورة الجزائرية في تخلّص القارة السّمراء من قيود الاستعمار، يحفظ أيضا مواقف زعماء أفارقة ناصروا قضية الجزائر بدون تحفّظ ودافعوا عنها بكل قوّة، كالغيني أحمد سيكوتوري، والكنغولي باتريس لومومبا، والغاني كوام نكرومة، والمالي موديبو كابتا…
حرب الجزائر التي وصل صداها إلى كل زوايا العالم، أوقدت شعلة المقاومة في عدة بلدان ما قادها إلى الحرية، ومثل الأمس تماما، ما زالت الجزائر اليوم تلهم الآخرين من خلال مبادئها في الدفاع عن الحرية والسّلم والكرامة.
