بعيدا عن الهلع

سعيد بن عياد
24 نوفمبر 2018

انهيار عنيف تعرفه أسعار النفط في الأيام الأخيرة ليسجّل البرميل أدنى سعر له منذ سنة بعد أن تراجعت إلى أقل من 60 دولارا. بالتأكيد، الخبر ليس سارا للمشهد الاقتصادي الوطني، لكنه يدق ناقوس الخطر ليبادر الفاعلون في الساحة باتخاذ ما يتطلّبه الموقف لمواجهة التداعيات الصعبة المتوقعة.
في انتظار ما سوف يتمخّض عن مسار الحوار داخل منظمة «اوبيك» وشركائها من كبار المنتجين، ينبغي أن يشعر رؤساء المؤسسات والمستثمرون والمتدخلون في الشأن الاقتصادي بمدى المسؤولية في إدراك خطورة الموقف.
قبل حوالي سنة لما بلغ السعر أقل من 50 دولارا برز إلى الساحة خطاب يحمل نبرات الشعور بثقل التحدي رسمت ملامح مسار ترشيد النفقات وتقليص الزائد عن اللزوم دون المساس بوتيرة النمو أو مكاسب عالم الشغل، لكن ما إن انتعشت الأسعار تبدّدت تلك الملامح وعادت سلوكات وممارسات في المشهد الاقتصادي اعتقد بأنها ولّت.
وها هي سحابة الأزمة تلقي بظلالها مجددا لتضع الفاعلين في معادلة النمو خاصة رجال الأعمال ورؤساء المؤسسات أمام امتحان عسير سوف يقود حتما إلى فرز بين من لديهم روح المبادرة فيجسّدون فعلا إنتاج القيمة المضافة في مختلف القطاعات من جهة ومن تكلست عقولهم فلم يستطيعوا التحرّر من التبعية للنفط الذي يعتبر ستارا يخفون وراءه العجز والقصور في تخطي الأزمة.
المفروض أن يطالع المعنيون بالشأن الاقتصادي المالي والتجاري والاستثماري لائحة تقلبات سعر النفط كل صباح لإدراك مؤشرات السوق وتبعاتها، حتى يمكن رسم معالم الخيارات سواء الكلية على المستوى المركزي أو الجزائية على المستوى المحلي.
في هذا الإطار، أين نحن من مصطلحات برزت قبل أن تختفي تحت تباشير تحسن أسعار المحروقات في أشهر مضت، مثل الوالي المتعامل والبلدية المستثمرة والمؤسسة المنتجة للثروة خارج المحروقات؟.
لقد تراجعت للأسف تلك الوتيرة التي بدت في أفق الساحة المحلية قبل حوالي سنة لما تبين أن سعر النفط فقد ثقله في السوق، وأدى انتعاشه إلى تراجع مركزها في أدبيات الخطاب، الذي سوف يعود إلى إحياء تلك المصطلحات والتركيبات اللغوية ذات الصلة بترشيد النفقات واقتصاد الموارد وبعث المبادرة.
بالتأكيد أن وقع الصدمة يكون قويا على من لديهم إدراك مصيري لمدى الخطر الذي تحمله تقلبات أسواق النفط، خاصة بالنسبة لتوازن احتياطي الصرف بالعملة الصعبة الذي لا يمكنه لوحده تحمل ثقل التداعيات، وإنما يجب على عالم المؤسسات بكافة أطرافه التحرك مجددا حول خيار عقلاني وناجع لمواجهة الأزمة بعيدا عن الهلع أو الارتباك.
كل ما يتطلّبه الوضع على ما فيه من صعوبات ومخاطر أن تعيد المنظومة الاقتصادية بكافة مكوناتها عمومية وخاصة رسم تصوّر عملي للتحرك، من خلال إعادة ترميم جسور التكامل وتعزيز القدرات المادية المحلية المبعثرة وتجنيد الموارد المالية المعطلة والنائمة ضمن رؤية إستراتيجية تتمّ صياغتها بهدوء وبعد نظر وفقا للمؤشرات التي يتمّ رصدها والتوجهات التي يتمّ استشرافها بدمج تحاليل وقراءات مختلف الخبراء على اختلاف مدارسهم ومراجعهم.
لا تزال الفرصة قائمة لتجاوز المنعرج المحفوف بانزلاقات ينبغي الانتباه إليها مثل التضخم وهاجس المديونية وتعطل عجلة النمو، ولعلّ من أبرز الأوراق التي إذا ما تمّ توظيفها جيدا وفقا لمقاربة دقيقة وشاملة تلك المتعلقة بالاندماج المالي الشامل ومكافحة السوق الموازية وإزالة بقايا البيروقراطية والدفع بالكفاءات إلى صدارة المشهد الاقتصادي، خاصة وأن للجزائر ما يعبّر الحد الأدنى لمتطلبات بناء الانتقال الاقتصادي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024