الحرقـــــــــــة... المحرقـــــــة الزرقـــــــاء

نورالدين لعراجي
08 ديسمبر 2018

رحلة صوب المجهول ترسم اضغاث حلم عابر، وشباب سولت لهم انفسهم قطع الأميال البحرية، قصد الوصول إلى ضفة المتوسط  والانخراط في العيش الرغيد،   تكلفة المغامرة، تدفعها أعمارهم  في عرض البحار، لغمة سائغة للحيتان والطيور المهاجرة، وأحيانا  تتحلل اجسادهم قبل وصولها اليابسة أو تعلق كأشلاء بمحركات السفن العابرة وحين يكتب لهم  النجاة والوصول إلى المبتغى  يتربص بهم السجن ومراكز العبور.
أوروبا الحلم الذي يتجدد مع كل رحلة موت يدفع ثمنه شبابنا، دراهم معدودة ربما جمعها كتحويشة ليوم عصيب، وهاهو يسارع بها في دفع ثمن مقعد على قارب متهرئ  تتعطل محركاته في أعالي البحار، لا نجاة ساعتها، ولا عاصم من أمر الله حين تبدأ العواصف فتغشاهم الكآبة، يتسلل إليهم الرعب والخوف أمام مصير مجهول يتربصهم جميعا، فلا يكتب لهم القدر الخلاص، تتعالى صيحاتهم وهي تهوي إلى الغرق الأخير من العمر، فلا يسمع نجواهم إلا الله... صورة تراجيدية بكل الملامح..البحر خشبة العرض، والأفق جمهور مفترس.
يوما بعد يوم تنزل علينا نداءات مختلف أشكالها وأوطانها، أمهات يتعالى صراخهن، ونساء في عويل يشق النفوس فيزلزلها، زوجات في عمر الزهور يحملن صور أزواجهن وأطفالهن ممن غامرن صوب محرقة الموت دون رجعة.
مآسي تتكر كل يوم وفي كل لحظة، ولم يقتصر على جنس الذكور فقط، بل تعدى إلى القوة الناعمة، وحتى الأطفال والكهول هم أيضا، وسوست لهم أنفسهم، فلم يطيقوا صبرا على العيش في أرض الوطن، واختاروا النهاية في البحر.
فاجعة بكل الأوصاف نتجرع مخيباتها ونكساتها مع كل حركة من عقارب الوقت، وكأن القدر ينوء بنا أيها الناس أوقفوا هذا الدمار... أيها الناس لقد طفح الكيل، ولم يغن الصمت عن الجرم شيئا.
كأن لالة بونة وهي تقف من أعلى جبل ايدوغ تنادي على شاطئ سيدي سالم: أيها البحر هون عليك قليلا من حمل أبناء وطني في رحلات تتواصل كل يوم... أيها الماء الحي... أترك الحياة تكبر مع أحلام شبابنا ولا تتركهم يواجهون مصير الموت، بحجم هذه الصيحات والدموع يكبر الألم في كل أسرة جزائرية، ضيعت أطفالها، ويظل الألم يتنقل من بيت إلى آخر، فنجد أنفسنا أمام مأساة الكل مسؤول عنها، جميعنا، كل من موقعه، ولا نقول «تخطي راسي».
«الشعب» وعبر هذه السانحة حاولت نقل معاناة حقيقية تعيشها الأسرة الجزائرية اليوم وازدادت استفحالا بشكل يدق ناقوس الخطر، ليست مقتصرة على منطقة دون أخرى، بل الوطن برمته معني بهذه الآفة التي تنخر مجتمعنا وتهدد تماسكنا الاجتماعي... هم اخوتنا، أبناء جيراننا، فتية في عمر الزهور، تركوا الفضاءات تذكرهم، وزوايا البيوت تحمل عطرهم، وسكون البيت بعد غيابهم يرثي حالة فقدانهم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024