ظل اسم الرئيس هواري بومدين خالدا في سجلات الذاكرة الشعبية لا يبرحها، لا يفارقها، فقد اجتمعت كل الخصائل في شخصه، وتكوينه ونظرته الى الحياة، والى مصير وطن ولد من رحم ثورة التحرير، لم يكن شخصا عاديا، ولا مسؤولا يشبه اقرانه، فقد كان حكيما صاحب نظرة مستقبلية بامتياز.
لازلت اتذكر تلك الصورة والكاريزما لشخص بومدين ، حين زارمدينة بريكة لثاني مرة سنة 1974، بعد الزيارة الاولى التي قادته اليها قبل ثلاث سنوات ، تفقد خلالها سد العطعوطة المتواجد في مخرج المدينة الشمالي نحو نقاوس، حيث نصب افراد الخدمة الوطنية ، خيما قماشية ذات الوان خضراء داكنة ، كانت مهامهم تسهيل سيلان المجرى، بعد حملة تنظيفه على طول الكيلومترات، يمتد من «النوخة» الى غاية «فيض بورتم «، حيث جنان الزيتون متراصفة مترادفة، مشهورة بنوعيتها الفريدة، زيتا وزيتونا.
قبل موعد الزيارة بأيام ، بلغت التحضيرات والتدريبات ذروتها وهي على قدم وساق، داخل حجرات، أعرق مدرسة وطنية بعد المحضرة والكتاتيب، إنها الكشافة الاسلامية، اتذكر كيف كان كل من القادة الكشفيون جعفر رويشي، نورالدين مهلل، الشاوش السعيد، يتفانون في مهامهم التطوعية، كالأناشيد، الرحلات، التدريبات العسكرية، تأدية القسم، وغيرها ...كنا نسمع ،داخل الافواج كلمة الرئيس بومدين قادم، هواري غدا في بريكة، انعكس الامر على الترتيبات ومنحها نكهة اخرى من التميز والنضال ، لان الامر يتعلق بزعيم الجزائر وقائد شموخها وعزها الموسطاش، كنا نشعر بوطنية نادرة واستثنائية تليق برجل لن يكون إلا بومدين، وهكذا استمرت التحضيرات الى ساعات متأخرة من الليل. غادر ابي البيت باكرا، ليلتحق بقسمة المجاهدين، حيث تجمع القوم هناك، وغادرت مخدعي بلباسي الكشفي، مباشرة الى مقر الكشافة ومن هناك الى طريق باتنة، تجمع الناس نساء ورجالا على حواف الطريق للترحيب بالقائد الضيف ، توزعنا نحمل صوره باليمنى وباليسرى علم الجزائر، في نشوة لم اشعر بحلاوتها في حياتي، إلا داخل الثكنة العسكرية عند الاستماع الى النشيد الوطني « قسما «
نزل الرئيس من سيارته السوداء ماشيا على الاقدام، ملوحا بيديه الى الجماهير التي خرجت عن بكرة ابيها تنادي وتهتف باسمه وبحياته، مر وسط الطريق الى غاية الجسر الحديدي الوحيد بمخرج المدينة، وهي اول مرة ارى فيها الرجل حقيقة لا صورة، اما الشعور الداخلي فلا يمكن للمساحات البيضاء من الاوراق ان تفيه الغرض.