كلمة العدد

شراكة لا تقبل الغش

سعيد بن عياد
12 جانفي 2019

أثار مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص جدلا، بفعل عوامل عديدة أثّرت سلبا على أبعاده الاقتصادية المطلوبة، في ظلّ اتساع نطاق التداعيات الناجمة عن الصدمة المالية. لكن اختلاف القراءات التي قدّمها مختلف الأطراف أدت إلى انتهاج خيار التريث، إلى حين صياغة دقيقة وشفافة للمفهوم الجديد، بكل ما يتطلّبه من تفاصيل تقنية وتنظيمية، من أجل تفادي انزلاقات محتملة، ترهن الأهداف المسطرة للنمو من رفع للإنتاج وتحسين في الأداء، وبالأخص تأمين المكاسب التي تحقّقت طيلة عشريات. يتوفر الجهاز الاقتصادي الوطني على ما يلزم من العناصر الاستثمارية والفنية والبشرية والمالية، التي يمكنها أن تشكل أرضية محفّزة، لبناء جسم اقتصادي تنافسي منتج للثروة وقادر على التعامل بثقة مع المنافسة الإقليمية وحتى في بعض الأسواق العالمية.
في هذا الإطار وبالرغم من شدّة وطأةـ الأزمة النفطية، عدّل البنك العالمي من توقعاته بالنسبة للنمو في الجزائر، مرجحا انجاز معدل بنسبة 3.2 بالمائة خلال السنة الجارية 2019، عوض ما سبق أن نشره منتصف العام الماضي في تقرير حول الآفاق الاقتصادية العالمية بزيادة 0.3 بالمائة. لقد تضمن قانون المالية للسنة المنصرمة خيار الشراكة بين القطاعين العام والخاص فتضمنت أحكامه، فقرة محورية واضحة تفيد أنه «يمكن للدولة اللجوء إلى تمويل كلي أو جزئي لعمليات استثمار عمومية  في إطار تعاقدي أو شراكة مع شخص معنوي عمومي أو خاص».
وجسّد ذلك خيارا استراتيجيا رسمته الدولة من أجل بلوغ أهداف تنسجم مع ضرورة حماية السيادة الاقتصادية وتأمين هامش كبير للمناورة في التعامل مع الأزمة، خاصة وأنه تبين أن مدبّريها من أصحاب النفوذ العالمي ومحركي البورصات يسعون لاستهداف البلدان الناشئة من خلال زعزعة الأسواق وإثارة الشكوك في المؤشرات. غير أن سوء تفسير وإحاطة الغموض حول هذا الخيار في وقت تحركت فيه أطراف أظهرت نية مبيتة لإفراغ المفهوم من محتواه الحقيقي ومحاولة جعل آلية لبلوغ أغراض أنانية لا تخدم إطلاقا الاقتصاد الوطني، فرض اعتماد الحذر وتوخي الحيطة إلى حين أن تنضج كافة جوانب هذا التوجه، بحيث تبرز في الساحة قوى اقتصادية لها قناعة راسخة بأنها معنية بأن تكون في مقدمة مسار النمو.
ضمن هذا الاتجاه، فإن الشراكة المطلوبة هي أقرب للتكامل، الذي يؤسّس لبناء تحالف اقتصادي جزائري يمنح المجال للقدرات والإمكانيات المنتشرة في النسيج العمومي والخاص للمشاركة في تنشيط الاستثمار وتفعيل الإنتاج ضمن التوجهات الكبرى التي ترسم معالم الاقتصاد الوطني في المديين القريب والمتوسط. وتوجد حقيقة طاقات من مؤسسات وأصحاب مشاريع، لو يمكن إدراجها في مسار منسجم وفعّال سوف تحقّق المطلوب، شريطة أن يفسح المجال أمام المهنيين ممن أثبتوا عن جدارة قدرة في رفع تحديات الأسواق، محليا وخارجيا.
حسب الأرقام المتداولة يشغل القطاع الخاص الوطني حوالي 63 بالمائة من إجمالي اليد العاملة الجزائرية، لأي ما يمثل 6.95 مليون عامل من الجنسين)، فيما يشغل القطاع العام 37 بالمائة (ما يمثل 4.09 ملايين عامل)، إلى جانب أن مؤسسات القطاعين تغطي كافة الفروع والنشاطات تقريبا. ويتطلّب التحوّل بطابعه الاقتصادي السليم ضبط التصورات وتحديد الأهداف وفقا لمخططات وبرامج مطابقة لمعايير الشفافية، حتى يتمّ إبعاد كل من يعتقد أن العملية يطبعها الارتجال وأن الباب مفتوح لمغامرة لا مجال لها إلا في أذهان أصحابها، ويؤمنون بقصة «الخروف والذئب».
إن شراكة عمومية وخاصة بالمعنى القوي للمصطلح والمضمون النوعي للقيمة المرتقبة، تعني أساسا المؤسسات والمتعاملين الذين يحذوهم حب مواجهة التحديات ولديهم ارتباط عضوي بالاقتصاد الوطني، كمنتجين للثروة ولديهم صدق في العمل مع كافة القوى الوطنية من ذات الطينة. يقصد بهؤلاء، المتعاملون ورجال الأعمال ورؤساء المؤسسات الذين يدفعون الضرائب ويصرّحون بالعمال لدى الضمان الاجتماعي ويحترمون البيئة ولديهم غيرة على الأمن الاقتصادي للبلاد، وبعبارة أخرى متشبّعون بالوطنية الاقتصادية فلا يخشون الشفافية ويلبون النداء في مثل الوضعية الراهنة.
حقيقة لا تزال الكثير من الجوانب تحتاج للمراجعة وإعادة التنظيم في إطار كسر شوكة البيروقراطية وإزالة مراكز النفوذ السلبية، من أجل تحرير أوسع لمساحات تستوعب المبادرة وتحتضن المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية، ينبغي أن تشغلها قوى مخلصة تعبر عن ولائها الاقتصادي ضمن معادلة شراكة لا مكان فيها للغش أو التلاعب أو الانتهازية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19458

العدد 19458

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19457

العدد 19457

الإثنين 29 أفريل 2024
العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024