منطق القوّة

فضيلة دفوس
29 جانفي 2019

لا شك أن الأزمة الفنزويلية أعادت الى الأذهان أجواء التوتّر التي صاحبت بدايات «الربيع الدموي»  وأجواءه العاصفة التي هزّت أركان بعض الدول العربية وأغرقتها في أزمات دموية لا نهاية لها، وهي تعكس بأن الذين  نراهم يؤجّجون الوضع في هذه الدولة الكاريبية، ويلهبون نيران الفرقة والانقسام بين أبنائها، ماضون إلى تكرار ما وقع في سوريا وليبيا واليمن وقبلها العراق وأفغانستان، دون أن يعيروا اهتماما للمخاطر التي يشكّلها تدخّلهم المحكوم بالغطرسة والقوة والذي سينتهي كالعادة بخراب وأنهار من الدماء.
 في الواقع ما يجري في فنزويلا ليس أمرا شاذا أوجديدا، فكثيرا ما تدخلت الولايات المتحدة  الأمريكية في شؤون جيرانها الجنوبيين، من منطق اعتبار  أمريكا اللاتينية حديقتها الخلفية ومجال نفوذها الذي سعت الى تخليصه من حكومات يسارية ذنبها الوحيد أنها سعت للتحرّر من هيمنتها ومقاومة تسلّطها.
وأول تدخل لأمريكا، كان غزوها المكسيك سنة 1847 وانتزاعها بموجب اتفاقية سلام، ما يزيد عن نصف الأراضي المكسيكية،  أي ما يعد الآن معظم أراضي الولايات المتحدة الغربية، ثم الإطاحة برئيس غواتيمالا جاكوبو أربينز في انقلاب دعمته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) سنة 1954، فغزو خليج الخنازير سنة 1961، لتقوم  إدارة ريغان بدعم قوات كونترا المناهضة للشيوعية ضد حكومة ساندينيستا في نيكاراغوا،ودعم حكومة السلفادور ضد ما كانت تصفهم بالمتمردين اليساريين، وفي 1983 غزت القوات الأمريكية جزر غرينادا في الكاريبي بعد أن اتهمت حكومتها بالتحالف مع كوبا الشيوعية، وفي 1998  تدخلت عسكريا في بنما للإطاحة بالرجل القوي مانويل نوريغا، كما اتهمت كراكاس الإدارة الامريكية بالوقوف وراء الإطاحة بالرئيس الفنزويلي هوغوتشافير لمدة يومين عام 2002 قبل أن يستعيد السلطة مرة أخرى..
 في الواقع سجل ّ التدخلات الامريكية لترتيب شؤون جيرانها وفق ما تقتضيه مصالحها الاقتصادية والسياسية معروف للجميع، ونحن هنا لا نضيف جديدا، لكن المثير للتعجّب أن إصرار واشنطن على تغيير الحكم في فنزويلا هذه المرّة، جاء مناقضا لما أظهره الرئيس دونالد ترامب، الذي أعلن مرارا أنه غير معني بالحروب والتدخّلات العسكرية ولا بتغيير الأنظمة، حتى أنه  أعلن نيته الانسحاب من سوريا وأفغانستان، ووضع عنوانا عريضا لحكمه «أمريكا أولاً» أي الاهتمام بالداخل وترك شؤون العالم للآخرين.
 رغم علامات الاستفهام التي تطرحها مواقف ترامب المتناقضة، الأمر المؤكد، أن رؤساء أمريكا سواء كانوا حمائم أوصقورا، جميعهم يسعى الى فرض الهيمنة والتفوّق الأمريكي في العالم وإن كان بأسس وأساليب مختلفة.
وترامب لا يختلف عن كل من تعاقب على البيت الأبيض، حتى وإن كان يبدو للبعض متميزا، لأنه يعمل هو الآخر لأجل فرض هيمنة مُطلقة للولايات المتحدة في مختلف المناطق الحيوية بالعالم وبالأخص الجوار الجنوبي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024