محطة تاريخية أخرى توقف عندها رئيس الجمهورية معطيا لها حقها من التذكر والتمعن واستخلاص الدرس، مقدما رؤية استباقية للآتي بروح التحدي الذي يناسب تضحيات الأسلاف ووصيتهم بالحفاظ على جزائر الشموخ والعلا؛ جزائر تجعل من الصعوبات والمتاعب الظرفية قوة انطلاق نحو الأحسن دون السقوط في اليأس، مراهنة على تلاحم أبنائها وتضافر جهودهم وتضامنهم في الشدائد. والأمثلة كثيرة التي جعلت البلاد ولازالت محطة أنظار العام قاطبة، تسوق تجربتها في الوئام، المصالحة والعيش معا.
محطة تاريخية أعطى رئيس الجمهورية دلالتها وأبعادها الثابتة والمتغيرة، مدافعا لأجل لَمِّ الشمل والتوافق حول أساسيات الأمور وجوهرها، خاصة عندما تتعلق بثوابت الأمة من وحدة مصير، أمن واستقرار ومكاسب تحققت بشق الأنفس وتضحيات جسام.
ظهر هذا جليا في رسالة الرئيس بوتفليقة في ذكرى اليوم الوطني للشهيد، التي عرفت احتفالية متميزة عبر الوطن، كشفت قوة المناسبة ومضمونها وأعادت إلى الأذهان وصية من ضحوا بأغلى ما يملكون «إذا استشهدنا حافظوا على ذاكرتنا». ظهر هذا بوضوح في رسالة الرئيس، الذي ذكر أكثر من مرة الجزائريين وهو يرصد المنجزات واحدة واحدة ويكشف عن الأدوات الموظفة في تحقيقها وفق استقلالية قرار سياسي سيادي، بأن تضحيات من أقسموا برفع السلاح ضد أعتى قوة استعمارية وجعل أنفسهم قربانا للحرية، للاستقلال والوطن، لم تذهب سدًى. وأن إنجازات الجزائر المستقلة وتقدمها الاقتصادي والاجتماعي وإسماع صوتها بأبعد نقطة في المعمورة خدمة للقضايا العادلة، مرافعة لتسوية النزاعات الساخنة بالتي هي أحسن بعيدا عن لغة المدافع ودوي الصواريخ، تبقى الشاهد الحي على ذلك.
إن هذه الإنجازات التي تمت عبر حقب من الزمن، كانت أكبر من الظروف الطارئة التي مرّت بها البلاد تتصدرها المأساة الوطنية والتي خرجت منها أكثر تلاحما بفضل تدابير السلم والمصالحة التي زكاها الشعب بأغلبية ساحقة صارخا بملء الفم «كفى سيلان دم الجزائريين»، متجاوبا مع رسالة السلام التي نادى بها رئيس الجمهورية وكانت في صلب برنامجه الانتخابي قبل توسيع المهام إلى الانتعاش الاقتصادي ودعم النمو وإلى غير ذلك من الورشات المفتوحة في مسار التجدد والتقويم.
من هذا المنطلق، كانت رسالة الرئيس بوتفليقة برنامج عمل تناشد الجزائريين التمعن جيدا في وصية الشهيد وتطبيق محتواها قولا وعملا. أول الواجب الوطني في هذا التوجه القبلي والبعدي، العمل ما في المقدرة من اجل بلوغ التوافق الوطني والحفاظ على الاستقلال السياسي والاقتصادي لجزائر تنعم بأمن واستقرار في محيط مضطرب وملتهب. هذا التوافق بات فرضاً لإعلاء شأن وطن يستحق تضحية ثانية وأبدية.