حصادالأسبوع

كأني رأيت الجزائر في الحلم

نورالدين لعراجي
06 مارس 2019

كأنني رأيتها في المنام تحدق في الوجوه جميعها.. تأتأة تحبس أنفاسها، فلا تنطق ببنت شفة، صعوبة في مخارج الحروف، تبحث عن أسماء أبناءها، الكل غارق في ملذاته وتنوعت الألقاب وشهية الرعاع مفتوحة عن آخرها، في قضم ما طاب من لحومها، تتأوه تارة وتنعل حضها الموبوء تارة أخرى، تمسك أنفاسها، لتحجب دموعا على مشارف جفونها لينام الليل ولا تنام؟
كأني رأيتها تشبه مطارات بلدي تتأخر الرحلات في كل مرة بالساعات، ويظل المسافر ينعل حضه، لا من يقل له عذرا.. أو يهون عليه قلقه، ولا حتى من يحمل معه متاعه، تتأخر رحلات الاقلاع بحجم المسافات، ويبقى الأمر على حاله ككل مرة تمر بالعتاب، كأن التعاسة كتب لها أن تكون هناك على أبراج المراقبة؟
كأنني رأيتها في قاعة إنتظار تعج بالمرضى، في إنتظار المهدي المنتظر، تنشرح أنفاسهم حال رؤيته، يهيمون به حبا، هروبا من الألم، وحينما يبدأ في الفحص، يوجههم إلى عيادات الغير قائلا “علاجكم هناك” فتكبر الجلطات في وطني، وتستلم الأجساد إلى موتها المحتوم؟
كأنني رأيتها في ملاعبنا تسترق أنفاسها إلى أهازيج الجماهير من شباب أحيائنا، يتقاسمون حبوب الهلوسة في المدرجات، يتباهون بالحمراء والروش والصفراء ومالا عين رأت، يزداد الهيجان مع المتعة، وعند صفارة الحكم، تدفع الشوارع والمحلات فاتورة التعدي وتحطيم أملاك الغير.؟
كأنني رأيتها في مدرجات الجامعة، ترفع دعواتها للسماء، وقد أصبح الطالب لا يعترف بأستاذه، وغابت البحوث العلمية، وصار النسخ واللصق في العلامات بضاعة وطنية بامتياز، وعوض تخريج العقول، تزاحم البطالون في وأد الشهادات الجامعية إلى إشعار أخير.
كأنني رأيتها على سواحل سيدي سالم، التنس، عين تموشنت، تحدق نظرها في الأفق البعيد لعل صوتا من هناك يطلب النجدة فتسعفه، أو قاربا حطمته أمواج المحسوبية والرشوة والفساد فانتحر بعيدا في المياه طعمة سائغة للحوت، وغثاء لزبد البحر.
كأنني رأيتها تطل من شرفات المدينة، تلوح بأسى، للفارين من الأدمغة، يحملون تذاكر سفر دون عودة، نورهم كالشهب تشعل أنوارها في سويداء القلب، وقد ضاقت بهم السبل فعبروا فطلقوا الجدران بالثلاث.
كأني بها تقف على أبواب المساجد، سئمت من الخطب والدروس، والتراتيل النبوية وأحاديث الرواة والمصححين، تدير رأسها في الصفوف الكل غارق في ليلاه، والإمام يقول هل من مزيد.
كأنني بها في نفق مظلم تنادي على الشهداء والشرفاء والوطنيين، تصرخ بأعلى نبراتها، لا أحدا يسمعها، والغربان تمزق أوعيتها والضباع تفتك بها ظلما وزورا، الدماء تتقاطر منها كلما غرست الوحوش أنيابها في جسدها، كل واحد يحمل نصيبا من التركة والدم، وحين الصباح تنهض في ابتسامة تخفي خلفها جراحا بحجم المسافات البعيدة، لعل رجلا شريفا ينقضها من براثن الجيفة والضياع.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024
العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024