كلمة العدد

مسؤولية البنوك...

سعيد بن عياد
27 أفريل 2019

يشتّد الخناق على الفساد من خلال وضع المشتبه في تورّطهم تحت أعين القضاء، الذي يتحمّل مسؤولياته في تجسيد مطلب الحراك باستعادة الأموال المهرّبة في ظلّ متابعة شفافة وفقا لمعايير عدالة قوية واحترافية لا تخضع للمساومة أو الابتزاز والتواطؤ.
ثروات الأمة مسألة جوهرية ومصيرية مما يستوجب انتهاج يقظة مستمرة للاحتياط من استهدافها من طرف الفاسدين المتخفين بهويات مزيفة لمتعاملين ومستثمرين ورجال أعمال، تسلّلوا إلى المنظومة الاقتصادية من خلال فجوات أو عبر شبكات تغلغلت في مراكز القرار السياسي والاقتصادي.
لا يمكن انتظار الكثير من توقيف أشخاص مهما كان مركزهم في المشهد، بقدر ما يجب العمل على مستوى تتبع مسارات التمويلات البنكية والقروض الاستثمارية والمعاملات المالية قصد رصد الأموال وتحديد أماكن تواجدها تحسبا لاسترجاع ما يمكن استرجاعه.
وهنا يدخل عمل الخبراء في المسائل المالية لمرافقة القضاء في انجاز مهامه، دون أن يتأثّر بمحيط يفرز صورا نمطية تعكس مدى قوة المعنيين بمكافحة الفساد وتأثيرهم في الساحة خاصة الإعلامية والمجتمعية.
ويتوقّع أن تمتد يد المتابعة إلى المنظومة البنكية، حيث يفترض أن تكون أموال الشعب في مأمن من أي مساس غير شرعي أو تلاعب بها من أشخاص وجماعات مصالح، استباحت موارد الأجيال عن طريق أساليب احتيالية في لحظة كان ينتظر أن يساهموا في انجاز أهداف النمو بالمعنى الصحيح.
لا يعقل أن يقوم بنك بمنح قروض بدون ضمانات حقيقية أو وفقا لملفات سليمة تتوفر على الحدّ الأدنى لمعايير تمويل المشاريع الاستثمارية، ومن الضروري أن تقدّم توضيحات حول ما حصل في كل تلك السنوات تحت مظلّة تمويل الاستعمار ومرافقة المتعاملين.
أكثر من هذا لا غرابة في أن يتوسّع نطاق تسليط الضوء على أذرع الفساد وتحديد الفاسدين، ليشمل القائمين على تسيير الشأن المحلي، حيث يشكّل العقار الاستثماري في الصناعة، الفلاحة، العمران والسياحة ورقة رائجة ساعدت على انتشار ظاهرة تبديد المال العام.
في بلدان أخرى تعطي للمال حقّ قدره وتسود قناعة راسخة لدى رجال الأعمال فيها بأن لهم دور في بناء المجتمع والنهوض بأفراده، لا يمكن للفساد أن يجد من يدافع عنه أو يبرّر أفعاله، بل أن كل من يتوّرط في تهرّب ضريبي، اختلاس، غش أو إتلاف لمقدرات البلد يوضع في خانة الذين يدينهم التاريخ والأجيال.
إن المجتمعات التي تواجه الأزمات مهما كانت صعوباتها، هي تلك التي تصنف العمل في أعلى سلم القيم، وبالتالي تثمّن الجهد وتنافس الكفاءات واعتماد معيار خلق الثروة، بل اليقظة باستمرار حول حمايتها من كل ما من شأنه أن يشكّل مساسا غير شرعي بها. لذلك لا غرابة في أن تحافظ تلك البلدان على معدلات مقبولة للنمو حتى في ظلّ أزمات اقتصادية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024