بما أن الجزائر لا تعيش في جزيرة معزولة فإنها تتأثر بما يحدث في محيطيها القريب أو البعيد، وكل خطوة تخطها يجب أن تكون محسوبة حتى لا تكون في موقع مساومة أو ضغط وهما البابان اللتان ستفتحان حتما بمجرد اخراح أصابع الأرجل الأولى خارج حدود الدستور؟ لأن هناك أطرافا تنتظر هذه السانحة ليس لكي تتدخل في شؤونها فقط ولكن لتشارك في رسم مصير ومستقبل الجزائر الذي سيكون حينها في جدول أعمال الصالونات والمحافل الدولية ومن الطبيعي أن تكون الأولوية في ذلك الجدول للصفقات الخارجية بينما يصبح الشعب الجزائري بعد حراكه المشهود مجرد رقم هامشي مقارنة بمصالح تلك القوى الأجنبية المتنافسة حول مستقبلها في جزائر ما بعد بوتفليقة؟.
من المفارقات أن مطالبة الجيش بتعليق العمل بالدستور جاءت بعد تنحي الرئيس المستقيل ضمن الأطر الدستورية من خلال المادة 102 في حين أن أولئك يعرفون جيدا أن تلك الخطوة هي التي وضعت القوى الأجنبية في حالة تسلل لأن الإجراء تم في ظل احترام تام للدستور والقانون وأن الجيش لم ينقلب على رئيسه وأن هذا الأخير ما يزال متمسكا بالدستور في مواصلة المسار الانتقالي، مما أعطى انطباعا للخارج بأن الجزائر تمتلك رؤية ضمن خارطة طريق انتقالية واضحة عزّزت ثقة الشركاء الدوليين وهناك مؤشرات واضحة على ذلك وتقديم سفراء ثماني دول لأوراق اعتمادهم نهاية الأسبوع تؤكد ذلك، في حين أن السلوك الدبلوماسي لأغلبية الدول اتجاه دولة تعيش مرحلة انتقالية يغلب عليه الانتظار والترقب وهذا إن لم يتم سحب السفراء والطواقم الدبلوماسية أو في أحسن الأحول تقليل نسبة التمثيل في انتظار اتضاح الرؤية؟
من غير المفهوم أن هناك أصواتا مازالت تدعو إلى تعطيل العمل بالدستور وتدعو الجيش إلى ذلك بل لا تتوانى عن دعوة المؤسسة علنا إلى التفاوض ولكنها تندد في الوقت نفسه بـ"الرونجاس"؟! وبهذا يتبيّن أن آخر اهتمامات هؤلاء هو عدم تدخل الجيش في السياسة - كما يدعون - و إلا كان من باب أولى أن يحرصوا على التزامه بالدستور وليس العكس؟ وهذا ما يعطي الانطباع أحيانا أن هؤلاء يريدون جيشا ضعيفا ومرتبكا تطارده عقدة الانقلاب داخليا وخارجيا قابل للابتزاز والمساومة، حينها سيقولون لنا بأن الجيش الجزائري هو جيش شعبي، جمهوري وديمقراطي؟!.