عقدة المبعوثين الأمميين

جمال أوكيلي
28 ماي 2019

تفاجأ المتتبعون لقرار المبعوث الأممي للصحراء الغربية هورست كوهلر الإستقالة من منصبه بعد فترة وجيزة جدا لم تتجاوز السنتين من استلام مهامه، للإشراف علـى إدارة الملف الصحراوي.
وعنصر المفاجأة هنا يكمن في غياب مؤشرات سياسية مفتوحة توحي بأن كوهلر على وشك الانسحاب أو المغادرة كما لمسنا ذلك عند روس فيما سبق، عندما أدرجه المغاربة في قائمة الشخصيات غير المرغوب فيها وبالتالي منعه من دخول هذا البلد، زيادة على اتهامه العلني والمفضوح على أنه منحاز إلى القيادة الصحراوية.
هذا التعامل المغربي غير المقبول مع المبعوثين الأمميين أدى بالكثير منهم إلى رمي المنشفة قبل استكمال العمل المكلفين به، بعدما اعترضتهم إكراهات يستحيل مجابهتها إلا بالذهاب الإرادي وترك الجمل بما يحمل وفي هدوء بعيدا عن أي برمجة تذكر كرد مباشر وجواب شاف على كل الإهانات وأساليب التطاول التي لحقت بهؤلاء المسؤولين الأمميين من المسؤولين المغاربة.
والدعوات اليوم الصادرة عن أكثر من طرف معني بالقضية للتعجيل بتعيين خليفة كوهلر تحتاج إلى الدقة في أبعادها لأن الذهاب إلى هذه المرحلة يعني أننا تجاهلنا والأكثر من هذا قفزنا على معرفة الأسباب الحقيقية الكامنة وراء رحيل مبعوث غوتيرس بهذا الشكل المخيف حقا لماذا؟ .
لأن الشخص الذي سيأتي بعده سيصطدم بنفس العراقيل التي اعترضت طريق الأولين، وهذا يترجم بقاء منظومة النفور قائمة بذاتها، مهما تكن عبقرية من يتولى هذه المهمة واستمرار الحال على هذا المنوال يعني كذلك الإنسداد كل الانسداد ونأسف هنا لتمسك البعض بذهاب كوهلر لدواع صحية هذا أقصى ما يتحجج به أي مرء يريد التخلص من أعباء أو حمل لا يطيقه.
الانتقال مباشرة إلى إيجاد بديل المبعوث الأممي هو الارتماء في أحضان المجهول ليس بمفهوم المغامرة لكن باستنساخ المؤقت والعودة في كل مرة إلى نقطة الانطلاقة وهذا ما وصل إليه المبعوثون الأمميون في مسارهم هذا.
لابد من القول هنا بأن تخلي كوهلر عن مهمته إنما يعود إلى التعنت المغربي الرافض لأي حل أممي ما عدا ما يجترونه يوميا من الحكم الذاتي و«الجمهورية المتقدمة» و»خصوم الوحدة الترابية» طروحات أكل عليها الدهر وشرب ولم تعد صالحة في التصور الذي جاء به المبعوث الأممي القائم على الشرعية الدولية وقرارات المنتظم الدولي الذي يطالب من القوة المحتلة تقرير مصير الشعب الصحراوي، استنادا إلى مبدأ الاستفتاء الملتزم به من طرف المغاربة عقب مناشدتهم للصحراويين بوقف إطلاق النار في بداية التسعينيات مقابل العودة إلى الصندوق، لكنهم نكثوا العهد وأوصلوا الوضع إلى ما هو عليه اليوم.
أمام هذا الغموض المقصود علينا أن لا نستعجل في أمر خليفة كوهلر حتى نقيم أداء هذا الأخير بطرح السؤال الجوهري والبديهي في آن واحد، لماذا استقال هذا الرجل ؟ على غوتيرش وغيره أن يجيبونا على ذلك وفي غياب التفاصيل فإننا سنقع في نفس الأخطاء السابقة ولا نتقدم أبدا ويكون من حق الصحراويين البحث عن خيارات أخرى.
عمليا فإن المبعوث الأممي استطاع وضع قواعد عمله التي لا تخرج عن نطاق القرارات الأممية المطالبة من المغرب بالانسحاب من الأراضي الصحراوية. عزز هذا التوجه بزيارات ولقاءات على أعلى مستوى . وفي جنيف مباشرة عقب هذا الموعد عم الصمت المطبق لعدة شهور احتراما لهذا المسعى الجديد غير أن المغاربة كعادتهم كسروا هذه الحيوية بتصريحات منافية تماما لما يقوم به كوهلر هي نفسها التي كانت تطلق في عهد المبعوثين الأمميين السابقين وشعر هذا الأخير بأن هناك تعطيلا مقصودا أجّل على أثره جولته إلى المنطقة لتاتي الاستقالة فيما بعد.
تتحمل هذه الأطراف الظاهرة والباطنة هذه الإخفاقات الأممية المتتالية على صعيد الإشراف على هذا الملف لتحرير مسائل لفظتها الأحداث وعليهم إدراك المناورات الخطيرة التي ينجزونها لفرض الأمر الواقع، ففي كل مرة يطل علينا واحد لا يروق للمغاربة الذين أثبتوا بأنهم يكرهون المبعوثين الأمميين وحتى أنهم سئموا منهم لأنهم يرفضون الحل.


 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024
العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024