قاطرة التغيير

فنيدس بن بلة
24 جويلية 2019

نعود إلى انتصار المنتخب الوطني الذي أعاد الجزائر الرياضية إلى الواجهة  القارية بعد سنوات الإخفاق والتعثر وحرقة الانتظار، مؤكدا للمشككين المداومين على إحباط العزائم قصر نظرهم وإخطاءهم للهدف.
انتصار محاربي الصحراء بالكيفية والأداء في كان 2018، وانتزاعهم التاج الإفريقي الثاني، بجدارة واستحقاق، وضع خارطة طريق من أجل مكاسب وتحديات الجزائر الحقة .. جزائر الانتصارات التي تجعل من المتاعب والمصاعب تنفسا جديدا للانطلاق نحو الأحسن في مسار التجدد والتقويم. جزائر المعجزات كما وصفها شاعر الثورة مفدي زكريا في «إلياذته» الخالدة، ومقولته صالحة لكل زمان ومكان. جزائر تجعل من المستحيل ممكنا في عولمة زاحفة لا تعترف بالهوان ولا تقبل بأصحاب الأنفس الضعيفة غير القابلة للتصدي والمغامرة.
بعد ملحمة القاهرة التي هي امتداد طبيعي لملحمة أم درمان في وقت مضى، وتعبيد «الأفناك» الطريق لتحديات جديدة في الزمن الجزائري، بات على القطاعات الأخرى، اتخاذ التجربة الرياضية منطلقا نحو تحريك عجلة السياسة، الاقتصاد، الثقافة وما له علاقة بالمشروع الوطني في مرحلة حاسمة من مسار الوطن وتطلعه الدائم لنظام سياسي جديد يعيد للبلد شأنه، ويبعده عن دائرة الانسداد والفوضى.
ضمن هذا المنعطف الحاسم الذي وجدت فيه الجزائر، بات لزاما على الطبقة السياسية وما يدور في فلكها، أخذ في الحسبان ما حققته رياضة كرة القدم الأكثر شعبية في ظرف قياسي، أنست المواطنين هموم الدنيا ومتاعب الحياة، أخرجتهم فرادى وجماعات إلى الشارع للاحتفال بالإنجاز العظيم، هاتفين بملء الفم بحياة الجزائر، مرددين أغاني رياضية رافقت الخضر في كل مكان وأشعلت فيهم نار الغيرة على الوطن المفدى الذي يعلو ولا يعلى عليه.
ضمن هذا الجو المشحون بحماسية الفوز الفياض، من واجب الطبقة السياسية التوقف لحظة عن تغذية روح الانشقاق والتوتر عبر التمسك المفرط بالأنانية والادعاء الخاطئ «أنا وحدي نضوي لبلاد»، أو ترديد العبارة الميؤوسة: «أنا وبعدي الطوفان».
إنها محطة مفصلية، أوصلنا إليها المنتخب الوطني بعد نضال في الميدان وتضحيات بالدمع والدم والعرق، لا يمكن أن تترك على الهامش، ولا تستغل من القوى الحية التي أمامها مسؤولية القيام بتضحية ثانية لتجاوز المرحلة الصعبة بأمان، تعزيزا للاستقرار المحقق بأقصى درجة الصبر والتحدي، ودعما للأمن المرسخ بعد سنين الدم والدمع.
أكبر تضحية في هذا المجال، تفرض على الطبقة السياسية والنخب والكفاءات والشخصيات الوطنية وممثلي المجتمع المدني  الانخراط التلقائي بلا أفكار مسبقة ولا حسابات الربح، في المسار الوطني لبلوغ التوافق المؤدي إلى حوار وطني يجمع ولا يفرق، يمهد الأرضية لآلية مستقلة تسند لها مهمة تنظيم انتخابات رئاسية وفق أسس ومنطلقات جديدة، تعيد الثقة المفقودة وتؤسس لمرحلة وتطلع ينشده الجزائريون الذين خرجوا إلى الشارع منذ أكثر من 6 أشهر ولا زالوا يطالبون بالتغيير الجذري لنظام سياسي لم يعد يستجيب للظرف ولم تعد تطالب به المرحلة.
من هذا المنطلق الذي تلتف حول مختلف القوى الحية المقتنعة إلى حد الثمالة بوجوب وضع الجزائر فوق كل اعتبار، يعبّد طريق التغيير وتكرّس حتمية القطيعة مع ممارسات سابقة، وتستجيب لتطلعات شعب متعطش لحول آمنة ضمن المعطى الدستوري وخياراته بصفتها الضامن الوحيد لتجاوز حالة الفراغ السياسي، حفاظا على وحدة الوطن والتعايش الأبدي بين أبنائه.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024