كلمة العدد

في قلب العاصفة

فضيلة دفوس
29 أكتوير 2019

لم ينعم العراق بالاستقرار والطمأنينة منذ أربعة عقود كاملة، فخلال 40 عاما الماضية تحوّلت حياة العراقيين الى مسلسل لا متناهي من العذاب وذلك إما بسبب الحرب التي خاضتها بلادهم ضد إيران بداية ثمانينات القرن الماضي والتي استمرت ثمانية أعوام كاملة وخلفت من الخسائر البشرية والمادية الكثير، أوبسبب احتلالها للكويت وما تلى ذلك من عدوان ثلاثيني دمّر البنى التحتية لبلاد الرافدين ووضعها تحت سوط العقوبات الأممية المدمّرة، مرورا بالغزو الأمريكي الذي قاده الرئيس جورج بوش الابن في ربيع 2003 بزعم امتلاك العراق لسلاح الدمار الشامل، ثم الحرب التي أعلنها تنظيم «داعش» الإرهابي على كل أشكال الحياة في العراق، لنصل اليوم الى حلقة جديدة من التوتر فجّرتها هذه المرة الاحتجاجات التي تهزّ مختلف المدن العراقية تنديدا بالفساد الذي بات ينخر الاقتصاد، وبالطبقة السياسية التي أخفقت في تحقيق تطلعات الشعب، وتذمرا من الوضع المعيشي الذي بلغ من السوء مبلغا لا يطاق، فبعد عامين من هزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي يعيش قطاع كبير من العراقيين الذين يقترب عددهم من 40 مليون نسمة في أوضاع متدهورة رغم ما تملكه بلادهم من ثروة نفطية.
بعد حروب متتالية على مدار عشرات السنين مع دول مجاورة،وعقوبات أممية واحتلال أمريكي، وصراع طائفي ثم عدوان إرهابي داعشي تمّ دحره قبل عامين، اعتقد العراقيون بأنهم أخيرا سيركنون للراحة والاستقرار، وينعمون بخيرات بلادهم، لكن الذي حصل أن البؤس والشقاء أصبح رفيقهم الدائم، ووعود الحكومة بتحقيق الإصلاحات المعلنة وتجسيد تطلعات الشعب في حياة كريمة تنسيه سنوات الجحيم الطويلة، ذهبت أدراج الريح ، ما فجّر نقمة وسخط العراقيين الذين زلزلوا الشوارع غضبا، رافعين من سقف مطالبهم إلى استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، ووقف ارتهان القرار العراقي بأوامر هذه الجهة الخارجية والأخرى، وتغيير أسس النظام السياسي الطائفي الذي بنته القوى السياسية بناء على مصالحها.
 حراك الشعب العراقي بدأ سلميا، لكن الساحات المنتفضة للأسف الشديد سرعان ما تحوّلت الى مذابح تتدفق بدماء مئات المحتجين الذين سقطوا إما قتلى أوجرحى، والوضع مرشّح للانزلاق أكثر إذا لم يلتزم الجميع بالسلمية وبالابتعاد عن العنف والتعنّت، والجنوح بدل ذلك الى الحوار والتفاوض.
 إن الكرة اليوم في مرمى السلطة العراقية التي يجب عليها أن تتعامل بهدوء مع الشارع الغاضب، وتقدّم الضمانات -لا الوعود الجوفاء - التي تستجيب من خلالها للمطالب المشروعة للشعب، إذ لا يعقل أن تستأثر فئة قليلة بثروات وخيرات البلاد وتضطر الأغلبية لشحت لقمتها.  يبقى أملنا الكبير في أن يتجاوز العراق أزمته،ويحقق تطلعات شعبه، ويتخلّص نهائيا من كابوس الوصاية الخارجية التي جنت عليه.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024