سابقة خطيرة

سعيد بن عياد
29 أكتوير 2019

سابقة خطيرة تحمل تداعيات سلبية على استقرار المؤسسات، التي تستمد سلطاتها من الدستور مثل السلطة القضائية، التي تمر حاليا بأزمة نتيجة اللجوء مباشرة إلى خيار الإضراب، في وقت يتطلّع فيه المجتمع إلى العدالة والإنصاف من بوّابة قضاء نزيه واحترافي وشفاف، يضمن استرجاع الحقوق وحمايتها في وقت يرتفع فيه سقف متطلبات المواطنة في ظل دولة الحق والقانون.
ما هو المزعج في الحركة التي سطّرها المجلس الأعلى للقضاء (بغض النظر عن النّقاش الدائر حوله في انتظار الإصلاحات القادمة)، بينما العملية تندرج في إطار تنشيط المنظومة القضائية وكسر مراكز النفوذ فيها؟ علما أنّ هناك آليات للاحتجاج المنظم والمسؤول وإجراءات لتدارك أي أمر ذي صلة قد يحتاج إلى تصحيح أو تكفل، وهي ليست عملية جديدة وإنما من تقاليد المنظومة القضائية منذ عشرات السنين التنقل بين مرافقها، كون مهنة القاضي مهنة متاعب وتتطلب تضحيات وتحمل وعطاء.
انطباع سيء زاد من تراجع صورة القضاء في بلادنا لدى الرأي العام، بينما يعتبر القاضي على كافة المستويات طوق النجاة الذي يلجأ إليه المواطن طلبا لحقوقه، في ظل تراجع مؤشر العدل وحاجة القضاء إلى الارتقاء بسرعة إلى أداء مهني مطابق للمعايير الدولية، تبرز فيه العدالة كقيمة تجسّد قوة الحق في مواجهة نفوذ القوة، أكثر من كونها سلطة تمارس عبر وظيفة يطبع عليها الروتين، وينجم عن بقاء صاحبها في موقع لسنوات طويلة حالة ريبة وشك وفقدان للمصداقية، ومن ثمة ضرورة التغيير.
إنّ تحقيق السلطة القضائية بالمفهوم السليم في الميدان يتطلب إدراك من يحملون تلك الصفة بكل ما يتصل بها مسؤولية لمدى التحولات الجوهرية التي تواجهها البلاد، وتلعب فيها العدالة من حيث المبدأ دورا رياديا في إرسائها وتكريسها وتجسديها في المجتمع، من خلال إعطاء المثال الواضح في الالتزام واحترام القانون، والحرص على الحوار بعيدا عن ممارسات تهز كيان العدالة، التي يفترض أن تكون الضامن الأول للمواطنة.
سلك القضاء مثل باقي الأسلاك له وعليه، وبالنظر للخصوصيات التي يتمتّع بها بفعل الصلاحيات المخولة له، والصورة التي ترسم في المخيّلة عن القاضي لدى المواطن، تضع المنتسبين لهذا القطاع في واجهة المشهد، وقد زاد تورط البعض في الفساد بمختلف أشكاله من الإساءة لتلك الصورة النمطية، وإن كان من الصعب ترميمها اليوم، إلا إذا أعطى أصحابها المثل النوعي في تسويق صورة راقية تعكس كل تلك القيم والفضائل للقاضي النزيه.
بلا شك يتوفر القضاء في مختلف المواقع على موارد بشرية لها من الكفاءة والاستقامة، وهناك قضاة من بين هذه الفئة المؤمنة بالعدل والقانون عانت في زمن العصابة، غير أنّه لا يوجد مبرّر موضوعي لانتهاج موقف يرهن قطاعا حساسا بحجم وثقل القضاء، الذي من البديهي أن يتحمّل المنتسب إليه مهما كان مركزه تبعات المهنة وخصوصيتها، ومنها التنقل بين المواقع على امتداد الجغرافيا الوطنية.
في هذه اللّحظة الفارقة، لقطاع يحظى باهتمام وترقب المواطنين خاصة الذين لديهم قضايا عالقة وينتظرون الإسراع في معالجتها وفقا لقواعد العدل والقانون، تعود بالضرورة صور أولئك القضاة من النساء والرجال، الذين أفنوا مسارهم المهني لعشرات السنين في العطاء، حيثما دعاهم الواجب متحدّين المسافات وبعدهم عن ذويهم وحتى الجغرافيا والمحيط، ولعلّ من يستحقون العرفان أكثر في هذا المقام، أولئك الذين بقوا أوفياء ومخلصين لمهنة القضاء خلال عشرية الإرهاب، دون أن يتخلوا عن مواقعهم رغم شدة الظروف ومخاطرها آنذاك، وقد سقط منهم العديد دون أن يحظوا ولو بتكريم مناسب يترك أثرا طيبا في نفوس عائلاتهم وذويهم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19456

العدد 19456

الأحد 28 أفريل 2024
العدد 19455

العدد 19455

الجمعة 26 أفريل 2024
العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024