«أرواحُهنّ » وإضراب المعلّمين

سعيد بن عياد
24 نوفمبر 2019

أي ضمير لدى المعلّمين المضربين عن العمل غير مبالين بمستقبل الناشئة التي يعلق عليها الأمل في بناء أجيال جديدة لديها المناعة في مواجهة عالم لا مكان فيه للجهل ويزيح فيه القوي الطرف الضعيف.
بالتأكيد هناك مطالب قابلة للنقاش وجديرة بالدراسة في أطر ملائمة يميّزها الهدوء والتعقل وروح المسؤولية من كل الشركاء، لكن لا يعقل إطلاقا أن يستغل البعض ممن يتحكمون في الأسرة التربوية موهمين البعض بالدفاع عن حقوق والبعض الآخر بتحقيق المزيد حتى ولو تمت التضحية بأجيال من أبناء عامة الشعب. من هؤلاء حتى يفرضون منطقهم المغالط والمغلوط وهل من الحكمة والجدارة بامتلاك صفة ممثل العمال للدخول في هكذا مغامرة غير محسوبة العواقب، واضعين البراءة في مهّب الريح ويكفي فقط مراجعة التسرّب المدرسي ونسبة الفشل التربوي في السنوات الأخيرة، والى أين كان مصير أبناء الجزائريين الذين لطالما وضعوا ثقتهم في المدرسة الجزائرية.
إن التاريخ والأخلاق والمستقبل يدين كل من يستغل الظرف الصعب لممارسة ابتزاز أو مساومة من أجل مصالح ضيّقة مهما كانت مشروعة، وهو ما يقود حتما إلى إدراج ما تتعرض له المدرسة اليوم في محاولة الزّج بها في المعترك الانتخابي. ألا يستحي المعنيون مما يفعلون، وماذا لو تخاطبهم تلك الأجيال التي ضحّت وتحمّلت الصّعاب والمشاكل والممارسات في عشريات بناء المدرسة الجزائرية، غداة استرجاع السيادة الوطنية، وهل كان الكثير من هؤلاء المضربين ليتبوّأوا المراكز لولا تلك الأجيال من أسرة المعلمين الجديرة بالعرفان.
ثم بصراحة ماذا لو تنطق أرواح المعلمات الشهيدات الإحدى عشرة اللواتي اغتالهن الإرهابيون أواخر شهر سبتمبر 1997 بإحدى القرى النائية بسيدي بلعباس، حيث سجلن بتضحياتهن الفاجعة اسم المعلم ومهنته الشريفة بأحرف من دم غال، غلاء هذا الوطن الذي يشق طريق الأمل. أولئك المعلمات البسيطات لكنهن غاليات الرمز، يتجاوزن في القيمة والاعتبار أكبر موقع نقابي أو منصب إداري أو تمثيل سياسي واجتماعي، فقد قاومن مع الشرفاء الخطر الإرهابي، يحملن فقط كراسا وقطعة طبشور مع قلم رصاص يحاربن الجهل وأخواته.
عندما أتذكر وقفة تلك المجموعة النادرة من سلك المعلمين يصعب تمالك النفس ويستحقن في كل لحظة ألف رحمة ورحمة، لكن الأجدر أن يستخلص المعلمون اليوم تلك «الدروس»، التي أعتقد أن كثيرين من أصحاب المهنة، اليوم، لا يقدمون عليها بقدر ما يحرصون على مطالب لا تزن أمام الشهيدات.


 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024