كلمة العدد

المخرج الآمن

فضيلة دفوس
14 جانفي 2020

لن نضيف جديدا بقولنا إن الأزمة الليبية التي تفاقمت وتحوّلت إلى معضلة أمنية تهدّد المنطقة بأسرها، هي نتاج التدخّل الخارجي منذ أن أعطى حلف الناتو في 2011 أوامره بالتدخل للقضاء على نظام معمر القذافي وهدّم في طريقه كل مؤسّسات الدولة، وأغرق البلاد في حالة من الفوضى والفراغ، فكان منطقيا أن تتكرّر تجربة الصومال ما بعد الإطاحة بنظام سياد برّي، وتسقط أرض شيخ الشهداء عمر المختار في متاهة العنف والخلافات السياسية، التي أخذت تتفاقم يوما بعد يوم، وسنة بعد أخرى، فظهرت بدل الحكومة الواحدة حكومتان متعاديتان، وبدل البرلمان الواحد المنتخب، برلمان أو أكثر دون شرعية، وانقسم الجيش، واحد يحمي الشرق ويحارب منطقة الغرب ويحاول بقوّة السلاح وضعها تحت سلطته، وآخر يجمع تحت لوائه مجموعات مسلّحة بانتماءات وولاءات مختلفة، وعلى الخط دخل تجّار السلاح والبشر، وحطّت جماعات «الدواعش» الإرهابية رحالها لتنفيذ مهمّة تدميرية قذرة لا تختلف في شيء عن تلك التي أنهتها للتوّ في العراق وسوريا، وبات المشهد في ليبيا دراماتيكيا، حيث واصل التدخل الخارجي المدفوع بصراع مكشوف على الثروة والنفوذ يعرقل كل محاولات الحل السياسي وينسف كلّ تقارب بين الإخوة الفرقاء،إلى أن جرّهم إلى حافة الحرب الأهلية التي بدأت ملامحها تتجلّى للعيان، خاصة مع استنجاد هذا الطرف والآخر بشكل علني ورسمي بدول أجنبية بدأت بالفعل ترسل قواتها إلى ليبيا لإشعالها مواجهة عسكرية قد يعلم الجميع بدايتها، لكن حتما لن يعرف أحد متى تنتهي وهل ستنتهي أصلا.
إن سبب البلاء في ليبيا، هو التدخّل الخارجي الذي رفع ضجيج السلاح عاليا وأسكت صوت السلام، ولم يترك فرصة لنجاح جهود الحل، سواء تلك التي رعتها الأمم المتحدة، أو التي بذلتها دول الجوار الشقيقة، ورحلت جهود السلام وارتحلت من غدامس الليبية، إلى الصخيرات المغربية، مروراً بالعاصمة التونسية، إلى جنيف السويسرية، وباريس وروما... واستخدمت الأمم المتحدة ستة مبعوثين دوليين حتى وصلت إلى الدكتور غسان سلامة، لكن الأزمة ظلّت تتفاقم وخيوطها تتشابك، وضاع الانفراج لسبب بسيط وهو أن خطة الحل أخذت طريقا خاطئا، فمحاولات التسوية كانت تتم دائما بين نفس الوجوه والشخوص التي تظهر على «ركح» الصراع في ليبيا، أما الجهات التي كانت تحرّكها وتسلّحها بل وتدعمها قتاليا من وراء الستار، ظلت غائبة عن موائد الحوار والمفاوضات، وهذا الخلل أدركته الجزائر التي قرّرت تصحيح مسار الحل من خلال دعوة الفاعلين الأساسيين في الأزمة الليبية للانخراط في عملية سلام حقيقية تعيد قطار التسوية السياسية إلى سكّته الصحيحة وتوصله إلى محطته النهائية، بل وتتوّجه باتفاق ينهي تقاتل الإخوة الفرقاء ويعيد بناء الدولة الليبية على أسس صلبة.
ندرك جيّدا أن الحلّ في ليبيا ليس بالأمر السهل ولا البسيط، لأنه لا يتعلّق بخطوة يخطوها الإخوة الفرقاء هناك، فمفاتيح التسوية هي بيد مرتزقة الحروب من الدول التي تتنافس على ثروات الشعوب ومناطق النفوذ، دون أن تبالي بالمآسي التي تنتجها أطماعها ومغامراتها المجنونة.
ويبقى على الليبيين أن يستوعبوا جيّدا المأزق الذي آل إليه وضعهم، وأن يتلقفوا يد الجزائر الممدودة التي لا يحرّكها غير حرصها على أمن ليبيا واستقرار المنطقة وهذا قبل فوات الأوان.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024