كلمة العدد

الإنســان أولويــة

سعيد بن عياد
28 مارس 2020

كان يجب انتظار بسط فيروس كورونا «كوفيد-19» سلطانه، مهيمنا في صمت على العالم، ليدرك أغنياء النظام العالمي التقليدي القائم على معيار المال والمصالح الضيقة دون اعتبار للشعوب الأخرى، أن الخطر الفيروسي لا حدود له مستبيحا القارات، إذا لم تتم المبادرة بإدخال تصحيحات هيكلية جوهرية على البنية القاعدية للاقتصاد العالمي وبالذات الأسواق العالمية للمواد الأولية، ومنها بالذات المحروقات والتجارة، بإنهاء النزعة الهيمنة التي تخلّ بالتوازنات الكبرى، واضعة مستقبل البشرية كلها على عتبة انهيار شامل، كما يتأكد في ظل ما يصنعه الفيروس المجهري، حتى في بلدان اعتقدت أنها في منأى وبالغت في استعمال الحواجز متمترسة وراء شعار المصالح الوطنية أولى.
استفاقت مجموعة 20 للبلدان الثرية محاولة تدارك الخطر برصد احتياطي مالي معتبر لتحريك مواجهة عالمية متكاملة أملا في كبح الوباء. فيما دعت مديرة صندوق النقد الدولي، إلى إنفاق في المجال الوقائي بكل جوانبه، تعزيزا للجدار الواقي من اجتياح الفيروس التاجي للمعمورة قاطبة، وما يترتب عنه من ويلات وكوارث غير مسبوقة تجرف في طريقها الجميع.
ما أظهرته الأزمة واسعة النطاق، أن السياسات النقدية، دوليا ووطنيا، باتت عاجزة وتأكد أنها أيضا سبب في إصابة مناعة الشعوب التي يتسلل منها الفيروس حالة تكون هشة وضعيفة، بسبب أزمة الغذاء وتراجع الرعاية الاجتماعية تمام سطوة المال ومن ورائه السياسات الحكومية التي تصيغها قوى المال والهيمنة من خلال أنظمة بنكية ونقدية جافة لا تعير للإنسان أهمية.
إن المورد البشري هو مصدر الثروة، ويبدو أن القناعة بدأت تتشكل، خاصة بعد أن عرّى الفيروس تكتلات إقليمية مثل الاتحاد الأوروبي، الذي تبيّن فشله في الصمود وحاجته للدعم من خارج القارة العجوز، وأمريكا التي لم يطل وقت نجاتها لتطلب المرافقة من غريمها التقليدي الصين، في ظل تبادل التهم لكن مع اتفاق على عمل مشترك، في الظرف الراهن.
لم يكن أقوياء العالم، الضعاف حاليا أمام «كوفيد-19»، يعتقدون أن الوضع لن يفلت منهم، جراء التلاعب بأسواق المحروقات وإدارة شيطانية لبورصات المال والموارد الثمينة، إلى درجة استهداف دول ناشئة وتعريض شعوب مستضعفة لحروب داخلية وإقليمية طمعا في ثرواتها، ليفاجأوا بأزمة حادة تضطر لمراجعة الحسابات والعودة إلى معايير موضوعية توازن بين المصلحة والمال والربح من جهة، والاستقرار وحقوق الآخرين والعناية بالإنسان من جهة أخرى قبل فوات الأوان.
هذا ما لاح في المشهد، بما فيه المحلي على مستوى الدول، ومنها الجزائر حيث ظهر مفهوم اقتصاد السوق بمضمونه الرأسمالي المفرط قاصرا على رد الكارثة التي تلتهم كل ما صادفها، بشرا ومؤسسات، بعد ان تعطلت السلسلة الاستثمارية والإنتاجية إلى حين التعافيد. وتشكل إجماع عفوي لإعادة بناء نظام اقتصادي يزاوج بين المبادرة والحرية والشق الاجتماعي، كون الإنسان في النهاية هو الوسيلة والهدف، إذ لا معنى لمؤسسة، مهما كانت قوتها، إذا لم تجد محيطا بشريا سليما يستهلك موادها وخدماتها.
لذلك، تحركت مؤسسات ومرافق لتمويل عمليات وقاية وتطهير وإنفاق على مواردها البشرية حفاظا على الديمومة والبقاء.
وقد يحمل هذا رسالة تلزم مراجعة الخيارات بإدراج الجوانب الاجتماعية في المشاريع والسياسات العمومية ومنها خاصة الصحة والتعليم والبحث والاتصال، وكسر سلطان البنوك لتكون سندا للنمو الحقيقي وليس خزائن لثروات تسقط في المضاربة أو الفساد.
إنها رسالة ينبغي قراءتها جيّدا من جانب رؤساء المؤسسات، البنوك، خبراء ومقرري السياسات العمومية لإعادة صياغة منظومة اقتصادية واجتماعية ذات مناعة، توخيا لما يحمله مستقبل عالمي عاصف، كما يفعله فيروس كورونا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024