حناجر الظل

نورالدين لعراجي
10 جوان 2020

مخطئ من يعتقد ان الجزائر هي تلك الشوارع المؤدية من ساحة موريس أودان، البريد المركزي، أونزولا بساحة الشهداء فقط، لأنها ظلت إلى عهد قريب ملتقى الأصوات المطالبة بالتغيير، واستطاعت التأثير في المشهد، الذي خيمت عليه أصوات الجماهير.
غير بعيد عن العاصمة حناجر أخرى، خاب ظنها، فكتمت آلامها، كفكفت عوزها وفقرها، لم يؤثر ضنك معيشتها في حبها للجزائر ولوقيد أنملة، ظلت حبيسة تلك المناطق البعيدة عن مركزية القرار، لا تزال تئن من العزلة، والتهميش، لأنها تدرك جيدا انه عندما يأتي المغيب، لن يجرؤ أي شخص على دقدقة ابواب بيوتها والاستماع إليها.
غير بعيد هناك في مناطق الظل، علينا الاعتراف أن الأغلبية الصامتة لا تجد ما تقتاته، ولا تزال تعيش تحت سقوف بيوت متهرئة لا حيلة لها، أمام قسوة الحياة، فالكماليات بالنسبة إليها مجرد أضغاث أحلام، تشاهد ملامحها في أفلام الكرتون، واما ان تعيش هذا الواقع فذلك ضرب من خيال.
ولعل المشاهد الأليمة تتكرر في كل مدينة، وعبر مناطق الظل المزروعة في الفيافي العميقة التي لا يهمها من خرج للبريد المركزي أو من غاب عن تجمعاته وجمعاته، ففي هذه المداشر والقرى لا يزال المواطن يحلم بمدرسة يتمدرس فيها أطفاله دون قطعهم لمسافات بعيدة،في هذه الارياف لا يزال التلاميذ ينتظرون التبرع بمدفأة، تقيهم القر وتنعش فيهم نشوة القراءة، بعد طبيعة قاسية،في هذه القرى تحرم الاناث من التعليم لان الظروف تجري عكس أماني أوليائهم ومصيرهن المكوث بالبيت إلى إجل مسمى.
لعل صرخة ذلك الطفل في أقاصي عين الدفلى، وهو يناشد السلطات المحلية، بتحقيق حلمه في بناء حجرتين حتى يتمكن هو وزملاؤه في السنتين الرابعة والخامسة من مواصلة دراستهم، لأن نظام المناوبة مجحف في حقهم، ويعيق رغبتهم في التعلم والدراسة، وهم في عمر الزهور، يتقاسم معه في نفس الهم والمطلب مئات الآلاف من الاطفال عبر ربوع مناطق الظل التي لم تصلها الجريدة ولا كاميرا التلفزيون ولم تحظ بزيارة المنتخبين.
مناطق الظل التي نريد إثراؤها في مسودة الدستور ومنحها القدر الكاف من الاهتمام، هذه الأصوات التي يجب ان ينتبه إليها المشرع والسياسي، فهي جزء لا يتجزأ من اللحمة الشعبية، لا ننظر إليها بنظرة الأصوات الانتخابية فقط، ثم نهملها فيما بعد، فكرامة الإنسان مقدسة لا يمكن السطوعليها.
الوطن واحد لا يتجزأ والتعبير عن المطالب يختلف من منطقة إلى أخرى، فسكان «الظل» لا يسمع أصواتهم ولا يشعر بمعاناتهم، وشتان بين طعنات الخناجر وصيحات الحناجر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024