زيغود... عبقرية رجل

نورالدين لعراجي
17 أوث 2016

لا يختلف إثنان في أن هجومات الشمال القسنطيني لم تكن وليدة الصدفة في المكان ولا في الزمان، بل هي تكتيك ومؤشر لتغيير مسار الثورة المحاصرة في الأوراس، والسعي لفك الخناق عليها وتحرير مناطق الولاية التاريخية الأولى من براثن الإدارة الاستعمارية التي أرادت خنقها في مهدها.
الدعاية الاستدمارية وهي تحاول بكل الوسائل شل تحركها في الأوراس، لم يهنأ لها بال، بل روجت أن جنود التحرير من الثوار هم «قطاع طرق» و»خارجون عن القانون» بغية عزلها عن الرأي العام الدولي وتخويف بقية الشعب الجزائري في الالتحاق بشعلتها.
رسالة القائد شيهاني بشير، التي وصلت الشهيد عباس لغرور، كان لها وقع الرعاية والاهتمام من لدن هذا الأخير، فتحولت صرخة المحاصرين بجبال الأوراس إلى ردة فعل قوية من منطقة ضمنت الهدوء الذي يسبق العاصفة، فلم تسجل السلطات الاستعمارية ولا أعيانها من المرتزقة والمعمرين أي خطر محدق مهما كان نوعه سيحدث، إلى أن حانت ساعة منتصف النهار في يوم السبت تغير كل شيء وبدأ العد التنازلي لفك الخناق وتغيير مسار الثورة ومنحها الأوكسجين اللازم من الدوام والشمولية والاستمرارية.
قوافل من أبناء الشعب تسلحت بأسلحة بيضاء وتقليدية واستجابت لنداء القائد المحنك زيغود وخرجت عن بكرة أبيها عبر ربوع ولاية سكيكدة وما جاورها وانتقمت لأبنائها في الأوراس الأشم، فكانت أن استمرت الهجومات من 20 إلى غاية 23 أوت، لقنوا فيها الاحتلال درسا لن يمحى من ذاكرة فرنسا الاستعمارية.
لم يستسغ العدو هذه العمليات التي حطمت دعائمه ومسته في مخازنه ومراكزه الأمنية وتعداده العسكري ومراكز التموين، فاستنفرت قواتها العسكرية من الأوراس المحاصر ومن العاصمة وقسنطينة، وصادف أن باخرة قادمة من باريس تحمل ركابا جزائريين قامت فرنسا بإعدامهم جميعا في ملعب رياضي وقد قدر عدد الشهداء في تلك الإبادة الجماعية حوالي 12 ألف شهيدا، يجهل الكثير منهم إلى اليوم وهم في عداد المفقودين.
إن عبقرية الثورة ساهمت بشكل كبير في ترويض قوات الاحتلال وجعلها تستكين وتركع أمام ضربات جيش التحرير في كل بقعة من التراب الوطني دون هوادة، وما خروج فرنسا من الأوراس إلا إذلال لأعتى قوة عسكرية أرغمها أبناء ثورة التحرير على العودة وإعادة الحسابات وهو الأمر الذي حدث بعد ذلك، أي سنة فيما بعد جاء مؤتمر الصومام، واضعا منهجا جديدا وتنظيما محكما واستراتيجية تحمل أبعادا تفوق كل التصورات.
كللت في الأخير بالاستقلال وتحرير الوطن من براثن الاستعمار وتمجيد شهداء ثورتنا المجيدة وخلودهم في سجل الشهادة والوفاء.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19482

العدد 19482

الثلاثاء 28 ماي 2024
العدد 19481

العدد 19481

الإثنين 27 ماي 2024
العدد 19480

العدد 19480

الأحد 26 ماي 2024
العدد 19479

العدد 19479

السبت 25 ماي 2024