كلمة العدد

قبل فوات الأوان

فضيلة دفوس
30 جانفي 2018

تفجير يحصد عشرات القتلى والجرحى في بنغازي، تليه إعدامات خارج إطار القانون، ويتبعهما العثور على جثث مجهولة الهوية وعليها آثار تعذيب، هذه بعض الوقائع التي أصبحت للأسف الشديد تطبع يوميات ليبيا في ظلّ غياب الأمن وتعثّر عملية الانتقال السياسي بالرغم من الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة من خلال مبعوثها غسان سلامة لدفع عجلة الأمن والاستقرار، ومن خلال مبادرات دول الجوار التي لم تتوقّف لحظة منذ تفجّر الأزمة الليبية قبل ثمانية أعوام في مسعاها لإقناع الفرقاء، هناك ، بضرورة الجنوح إلى السلام قبل فوات الأوان، أي قبل أن تستفحل المعضلة أكثر ويصبح حلّها مستحيلا، خاصة وأن هنالك من يجرّ أرض شيخ الشهداء عمر المختار إلى براثن حرب أهلية مدمّرة، ويسعى لجعلها مرتعا للإرهابيين الفارين من سوريا والعراق ومناطق التوتّر الأخرى.
كلّما بدا لنا بأن الأزمة الليبية اقتربت من نهاية النفق المظلم، وبأن الحلّ لم يعد بعيدا، إلاّ وزاد الوضع الأمني تدهورا، واشتدّ الإنسداد السياسي، وسكنتنا مخاوف مرعبة من احتمال وقوع انفجار كبير سوف يأتي على المنطقة بأسرها.
المخاوف هذه، للأسف الشديد، ليس مبالغا فيها، فالوضع في ليبيا فعلا يبعث على القلق الكبير، لأن لغة السلاح والتعنّت ورفض هذا الطرف للآخر لم تترك فرصة لنجاح جهود التسوية، ولا فتحت مجالا للاستقرار الأمني الذي تتجاذبه مجموعات دموية تشكّلت صغيرة وها هي تكبر كورم السرطان، من خلال استقطاب أمواج الدمويين لتحويل ليبيا ـ لا قدّر الله - ألى بؤرة توتر أخرى تزلزل أمن واستقرار الجوار والإقليم.
 وأمام هذا الوضع الخطير سيكون من الغباء الوقوف موقف المتفرّج اللامبالي، بل على العكس تماما، إذ يجب على الأمم المتحدة والدول المرتبطة جغرافيا بليبيا بالتنسيق مع الاتحاد الافريقي والجامعة العربية، التحرك بسرعة وقبل فوات الأوان لتنفيذ خارطة الطريق التي أعلنها غسان سلامة في 20 سبتمبر الماضي، والتي ترتكز على ثلاث مراحل رئيسية تشمل تعديل الاتفاق السياسي الموقع في ديسمبر 2015، وعقد مؤتمر وطني يهدف لفتح الباب أمام المستبعدين من جولات الحوار السابقة وإجراء استفتاء لاعتماد الدستور، وانتخابات برلمانية ورئاسية.
خطة سلامة تبدو فعلا بمثابة قشّة النجاة لليبيين، فالرّجل ومنذ بداية مهمته أصرّ على ترتيب الأولويات، وعلى قطع الطريق على تعدّد المسارات وكثرة المساعي الحميدة من قبل الأطراف الدولية المنخرطة في الأزمة الليبية، وحصر جهود الحل في الأمم المتحدة، فكثرة المبادرات والوسطاء والمتدخلين، تزيد من إرباك الوضع وتعقيده، لكن إلى حدّ الآن لا تبدو جهود المبعوث الأممي مثمرة، فمحاولات تعديل اتفاق السلام لم تفض إلى نتيجة بعد أن اصطدمت بتجاذبات الأطراف الفاعلة وصراعها على المناصب، ومؤتمر  الحوار الوطني لم يحدّد له تاريخ بعد، أما الانتخابات ورغم الاقبال القياسي للشعب الليبي على التسجيل لخوضها، فهناك كثيرون يتخوفون من تأجيلها.
عراقيل كثيرة وتحديات كبيرة تعترض مهمة سلامة وتؤخّر عملية التسوية السياسية في ليبيا، ما يجعل المجال مفتوحا أمام مزيد من التعفّن والتصعيد، وأمام تنامي الخطر الإرهابي الذي استقطب - حسب الكثير من الخبراء الأمنيين - مئات الدمويين الذين بدون تأكيد لم يكن قدومهم إلى ليبيا أمرا عفويا، وإنما مقصودا ووراءه  يقف زبانية الموت الذين كلّفوهم بذات المهمة التدميرية القذرة التي  قاموا بها في سوريا والعراق.
 ليبيا اليوم في مفترق الطرق، وعليها أن تختار، إما مسعى السلام والنجاة، وإما السقوط إلى الهاوية وجرّ الجوار معها.
وهذا الاختيار بحاجة إلى إرادة قوية من الليبيين أنفسهم، وإلى دعم أممي ودولي فاعل وحازم وصادق.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024