عبد الجليل جلالي... مهنية عالية وأخلاق راقية

سعيد بن عياد
11 فيفري 2018

 

 

 

رحل عنا الزميل الصحفي المخضرم عبد الجليل جلالي في لحظة مستعجلة تاركا أسى وحزنا عميقين في الوسط المهني الذي خاض فيه الفقيد سنوات طويلة من العطاء والبذل دون أن يكل أو يتعب إلى أن ذهب إلى التقاعد.
كان عبد الجليل الصحفي المتميز بمهنيته وأخلاقه العالية من بين خيرة الزملاء المتشبعين بقيم الاحترام للآخر وانتقاء الكلمات عند الكتابة أو الحديث، يتفادى التجريح أو الإساءة لمن حوله. تكوينه النوعي وثقافته الواسعة وتشبعه بآداب المعاملة مما وضعه في كل المراحل على درجة من التقدير لدى كل من عرفه دون أن يتغير أو يتلوّن أو يتلاعب. كان بحق صحفيا بمعنى الكلمة بحيث يحرص على أداء المهمة بكل متاعبها وتداعياتها ويسعى لتقديم الأفضل في كل المواقع التي شغلها محررا ثم رئيس تحرير ورئيسا للقسم الدولي بجريدة «الشعب» التي التحق بها في بداية السبعينيات وبقي وفيا للعنوان إلى آخر رمق.
من حيث الجانب المهني يعتبر مثالا في الوفاء والإخلاص والجدية ومن الجانب الإنساني تميز بخصال حميدة لا مجال فيها لممارسات لطالما أساءت للمهنة وإليه في أحيان كثيرة. لم يكن يرفض تقديم خدمة لزميل في حدود الممكن ولا يبخل بإسداء الرأي لمعالجة موضوع فكان بحق على درجة كبيرة من السخاء المهني إلى درجة انه لا يتردد في المساهمة في عمل يطلب منه.
الفقيد عبد الجليل بقدر ما كان هادئا وصبورا بقدر ما كان يمتعض من بعض الممارسات التي يعرفها عالم الصحافة وكم كان يفضل ويقدر من يخصه بالاحترام والتثمين في مهنة تعرف بالتنكر لأصحابها فتأخذ منهم ولا تعطيهم. ولأنه اجتماعي ويقبل الحوار ويثير النقاش حول قضايا جوهرية وطنية وعربية وعالمية يقابل محاوره بابتسامته مدافعا عن رأيه ومتقبلا الرأي الآخر. لقد حمل في قلبه الكثير ولكن بالتأكيد أنه سامح الجميع فلم يكن يحمل لأحد، كما أعرفه، أي لوم أو عتاب، تاركا كل واحد وضميره؛ ذلك أن المسيرة المهنية هي هكذا، كلها متاعب ومعاناة وتحدّ لا يرفعه سوى الرجال من أمثال عبد الجليل وغيره ممن أفنوا عمرهم في خدمة الإعلام الوطني في كل الظروف. وامتاز الرفيق صاحب الأناقة بتسخير قلمه لخدمة القضايا الوطنية والعربية مضمنا كل ما كتبه سواء اتفقت أو اختلفت معه في المواقف بروح وطنية لا غبار عليها تعكس حقيقة الالتزام والصدق.
لم يكن يأبه لمن يثير جدلا بيزنطيا أو يحاول القفز على الحقائق في المجتمع وإنما سرعان ما يتدخل عبد الجليل بأسلوبه الرقيق والحاد ليصوب التحليل أو يدقق في المعلومة. وكم كان يعتز بنزاهته وهو الذي حاور كبار المسؤولين في الدولة أيام الحزب الواحد دون أن يسعى للتقرب منهم لقضاء مآرب خاصة وإنما كان يفتخر بأداء رسالته المهنية وفقط. وما يفتخر به أهله وأبناؤه الذين كان بعضهم وهم صغارا يرافقونه إلى مقر الجريدة في أيام الجمعة أو السبت كرفاق أوفياء له انه كان حريصا على أسرته ومكافحا من أجل أبنائه من أجل الدراسة والتفوق. كيف لا وهو يخص العلم والكتاب أهمية كبرى قناعة بأن الكلمة السليمة في مجتمع يعرف تحولات عميقة بكل إفرازاتها العنيفة والمحبطة هي العلاج للداء والدواء لأمراض الفتن والفرقة.
صحيح انه لم يحظ بتكريم من دوائر رسمية لطالما رافقها في العمل الصحفي، خاصة المجلس الشعبي الوطني الذي تكلف بتغطية نشاطاته في الثمانينيات، ولا من رفاق لطالما كان يمنحهم فسحة للنكتة الهادفة والنقاش عالي المستوى، فان زميلنا عبد الجليل جلالي ترك في نفوس كل من عرفه وتعامل معه انطباعا لن يمحوه الزمن عن صحفي بالمعنى الصحيح يعرف قوة الكلمة وتأثير القلم في البداية ثم الكمبيوتر على معنويات المجتمع ما يترتب على ذلك الشعور بالمسؤولية في الكتابة.
رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه وألهم ذويه جميل الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024