سلوكات!

احتكار الخواص

جمال أوكيلي
10 مارس 2018

إعادة تنظيم التجارة الخارجية حتمية لا مفرّ منها أملتها الظروف الاقتصادية وبخاصة تأثر مداخيل البلد عقب انهيار أسعار النفط، إلى مستوى استدعى تدخل السلطات العمومية لتسجيل وقفة تأمل تجاه حركية ما يجري وفق رؤية دقيقة، وحكيمة في نفس الوقت، لم تلغ أبدا مفهوم التنمية الوطنية من الخطاب المستعمل.
بدليل أن جل المشاريع ذات الكلفة العالية رفع عنها التجميد خاصة في القطاعات الاستراتيجية كالمياه، الصحة، التربية، وهذه النظرة السديدة جنّبت الجزائر الكثير من التداعيات التي قد تتولّد عن الاستمرار في تلك النفقات غير المتوافقة مع شدّة ما يقع في الميدان ما بين التقلص في الموارد البترولية والبرامج التنموية في شتى المجالات.
وهذا المسعى القائم على التحكم في عملية الإستيراد، غايته وضع حدّ لاستنزاف العملة الصعبة بعد تضررها جراء كثرة التوجه إلى الأسواق الخارجية زيادة على ارتكاب تجاوزات لا تغتفر من قبل بعض المستوردين الذين توصّل بهم الأمر إلى جلب خردوات الآخر، ناهيك عن الحاويات التي اكتشفت في الموانئ مليئة بأشياء تافهة، لا تعرف حتى أصحابها مسجلة على أناس مختلين عقليا أو لا أثر لهم في الوثائق.
والأصوات التي تتعالى اليوم اعتادت على اعتبار البنك الخارجي  «دار خالي موح أدي وروح» ولا نندهش من هذه المقاومة الأولية لهؤلاء كونهم نسوا الاستثمار داخليا في المواد التي ظلّوا لسنوات طويلة يأتون بها من الخارج، واليوم بعد صدور القوائم وجدوا أنفسهم في مأزق حقيقي.
بالأمس فقط كان الجميع يطالب برفع احتكار الدولة عن قطاعات اقتصادية معينة، ومنحها لمتعاملين آخرين يحلون محلها في إدارتها وبمجرد أن تغير نمط التسيير خلال التسعينات من القرار الإداري إلى فعل السوق طفح هؤلاء إلى السطح عن طريق ما يعرف بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي كانت الخيار اللائق آنذاك في كل بدايات اقتصاد السوق.
لابد من القول هنا، بأن احتكار الدولة تحوّل إلى احتكار الخواص اليوم وعينة حية على ذلك هو أن النقاش الحاد الذي دار بين المتعاملين في انتاج البلاط «السيراميك» بيّـن أن هناك منتجا واحدا فقط يحوز على مادة خاصة تستعمل من أجل تثبيت الواجهة اللامعة وقرابة ٤٥ متعاملا يقتنونها من عنده للاستمرار في دورة الانتاج وعدم التوقف.
واتضح أن هذا المتعامل لا يستطيع في الوقت الراهن تلبية مطالب الجميع، وتعّهد أن يكون جاهزا لذلك في غضون الأشهر القادمة.
هذا الوضع يدل دلالة واضحة بأن هؤلاء الذين كانوا يطالبون بإبعاد الدولة ومنحها مهمة «المنظم» فقط، أخطأوا في حساباتهم عندما اهتدوا إلى تسبيق الطرح الأديولوجي في تحركاتهم.. اليوم وجدوا أنفسهم في قبضة أصحابهم من نفس المهنة يمارسون عليهم كل الضغوط التي كانوا يثيرونها عند معاملتهم مع الدولة.
هكذا ودون أن يشعروا بذلك سقطوا في مطب احتكار الخواص ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها حاليا من أجل المطالبة بتوفير تلك المواد الكيمياوية وعدم الاكتفاء بمتعامل واحد، هذا المثال الحي ما هو إلا دليل على أن الاعتماد بالذهنية الحالية على موارد الدولة من العملة الصعبة له حدود.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024
العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024