كلمة العدد

الحس المدني..إلى إشعار آخر

جمال أوكيلي
12 مارس 2018

منذ ذلك القرار المتعلّق بالتّنازل عن أملاك الدولة خلال بداية الثّمانينات، وإقدام المواطنين على شراء سكناتهم عقب تقييم لمصالح الدائرة، تعرّض التّراث العمراني إلى إهمال لا مثيل له، لحقه تخريب عمدي غير حضاري لا تجد التّفسير المقنع لما حدث لكل هذا الكم الهائل من العمارات خاصة في المدن الكبرى.
ولا نرجع المسؤولية إلى ما ورد في هذا المسعى القانوني، وإنما سكوته عمّا ترتب من تبعات ما كان أحد يعتقد بأنّها تنصهر في خضم ذلك التّهافت على تحويل الملكية إلى أن تكون خاصة من تاريخ إبداء النية إلى يومنا هذا.
والإنصهار هذا تمثّل في أنّنا لم نعد في مستوى التّفريق ما بين مفهوم الملكية في العمارة الواحدة.
لقد اختلط الحابل بالنّابل آنذاك، وهذا عندما اختفى البواب «كونسيارج» والمسؤول الذي يساعده في إدارة شؤون العمارة أو ما يعرف بـ «السنديك»، المخول له أن يرافق السكان في الوقوف على كل صغيرة وكبيرة حتى يبقى هذا الملك العمومي مصانا ومحميا من أي تجاوزات للإنسان.
هذه الثّنائية في العمل المشترك (البواب والمسؤول) لا أثر لها اليوم نتيجة غياب المتابعة الصّارمة من قبل الجهات المسؤولة، وبخاصة دواوين التّرقية التي تتحمّل تبعات كل ما وقع كونها اعتقدت بأنّ السكن الوظيفي للبواب يمكن التّنازل عنه لصالح شاغله، وهذا للأسف ما وقع للكثير من البوابين تخلّوا عن «مهنتهم» الأصلية وأصبحوا من السكان العاديين بعد أن تغيّرت صفتهم قانونيا.
والواقع غير ذلك فطبيعة السكن الوظيفي لا يطرأ عليها أي تغيير يذكر كونها مسجّلة على ذلك النحو المعمول به، حقا إنّنا اليوم في حالة يمكن وصفها بالانسداد إذا ما فتحنا هذا الملف لماذا؟ لأنّه من الصّعوبة بمكان النبش في موضوع تجاوز عمره سنوات طويلة جدّا تعود إلى بداية الثّمانينات.
جل من كانوا مكلّفين بحراسة العمارات بلغوا من السن عتيّا أو توفّوا، وحاليا أبناؤهم استخلفوهم أو بالأحرى ورثوا عنهم ذلك السكن، كيف العمل يا ترى؟
وهناك مبادرة من قبل ولاية الجزائر من أجل إعادة الاعتبار لكل العمارات بعد الانتهاء من ترميمها، وهذا من خلال العودة إلى البواب والمسؤول قصد الحفاظ على ما تمّ إنجازه، بإيجاد صيغة عملية تكون بمساعدة لجان الأحياء، الذين هم على دراية دقيقة بكل وضعيات هذا التّراث العمراني.
والمعاينة اليوم قاسية نظرا لما يلاحظ من تدهور مخيف بدءاً من مدخل العمارة إلى غاية السّطح، لا وجود لصناديق البريد، السّلالم والجدران والأسقف متأثّرة بفعل انعدام الصّيانة ونتيجة تسرّبات المياه، سقوط أجزاء من الشّرفات بسبب السّقي المبالغ فيه لما يعرف بـ «المحابس» وكثرة الهوائيات المقعّرة، اعتداء صارخ على مساحات في أروقة العمارة من قبل أناس معيّنين بالاستحواذ عليها وضّمها إلى السّكن، ناهيك عن نقاط أخرى لا تعد ولا تحصى.
من خلال هذا الملف الذي أمامنا نحاول الإلمام بالواقع اليومي الذي نصادفه، وكذلك إطلالة على الأحياء الجديدة الموزّعة حديثا، هل زوّدت بما يكفي من آليات صيانة كل هذا العمران داخليا وخارجيا قصد الإطالة في عمره لأجيال وأجيال؟

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024