كتشاوة.. جامع المواعيد الخالدة

سعيد بن عياد
13 أفريل 2018

تشاء الأقدار أن يتجدّد ارتباط مسجد كتشاوة بالعاصمة بتواريخ خالدة في الذاكرة الجماعية، فبد أن احتضن أول صلاة جمعة بعد استرجاع السيادة الوطنية تحت ظل الاستقلال وبالذات في 2 نوفمبر 1962 .. ها هو هذا المعلم الذي دشّنه رئيس الجمهورية يستأنف دوره الديني والثقافي الريادي بعد ترميمه ليستعيد بهاءه ورونقه العمراني، بإقامة أول جمعة أمس تزامنت مع أداء صلاة الغائب ترحما على أرواح فاجعة الطائرة المنكوبة.
الموقع بثقله التاريخي وبعده الروحي يسجل حضورا متميزا في حياة المدينة بكافة أرجائها ليحدث الصدى الايجابي في النفوس في وقت يحرص فيه المجتمع على التمسك بالمرجعية الوطنية القائمة على قاعدة الوسطية بكل ما تعنيه من قيم التسامح والحوار والتعايش، التي تشكّل جدارا صلبا في وجه التحولات العالمية التي تجعل من الدين وتوظيفه ضمن استراتيجيات هدامة موجة تعصف بالأمن والاستقرار.
وفي انتظار أن يدخل مكسب آخر جديد الخدمة هو مسجد الجزائر الأعظم فيعزّز الصرح الديني في الجزائر تتجه الأنظار إلى جانب النهوض بالخطاب الديني وترقية أداء المؤسسات لتكون قلاعا للعلوم والتربية والتأطير قصد الرفع أكثر من مستوى الفرد في مجتمعه بحيث يكون على درجة من المناعة والوعي في مواجهة ما يحوم حولنا من فتاوى مغرضة ومغالطات لا يمكن دحضها إلا بانخراط مساجد الأمة في مسار التجديد حول بناء الإنسان وفقا لمقاربة دينية وعليمة وتربية وثقافية أصيلة.
ولعلّ أداء صلاة الغائب في كافة مساجد الجمهورية ومنها مسجد كتشاوة، لؤلؤة النسيج العمراني للمحروسة بطابعه العتيق والحديث، هو الدليل على مدى الصلة التي تربط المجتمع الجزائري بمثل هذه المنارات المضيئة ليتزود منها بالرصيد الكافي من الإيمان الصحيح والأخلاق الحميدة التي تمكن الفرد حتما من مواجهة الحياة اليومية بالعلم والعمل، ويحتاط من تجار الفتن خاصة تلك الوافدة عبر مختلف وسائل الاتصال الحديثة، وترمي وفقا لمن وراءها من قوى النفوذ والهيمنة إلى ضرب المجتمعات الناشئة وتلك المصنفة في نظرهم غير «مطيعة».
قدمت المساجد مجددا أمس صورة ايجابية تبعث على تنمية الأمل في استكمال ترميم الهوية الدينية التي تعرضت لأكثر من استهداف بشتى الأساليب والطرق قبل أن يستدرك الإنسان الجزائري درجة الخطورة ليعود إلى المنبع الأصيل حتى ينهل منه القيم السامية والتعاليم الدينية السمحة وكل ما يعطي للفرد من قوة معنوية تجعله في منأى عن أي انعكاسات جارفة لمخططات هدامة يحاول أصحابها التسلل إلى عمق المجتمعات الهشّة للنيل من سيادتها والهيمنة على مصادر زرق شعوبها.
إن المعالم الدينية المختلفة التي تصون مجتمعنا مطالبة بالارتقاء أكثر فأكثر إلى مستوى التحديات من خلال إدراك القائمين عليها لمدى الرهانات والتحديات التي تحوم حول بلدنا والمشاركة الناجعة في بعث ثقافة المقاومة الذكية عن طريق نشر القيم الإنسانية المستمدة من مراجعنا الدينية والتاريخية والثقافية واقتحام عالم التكنولوجيات الجديدة من أجل توظيفها في هذا المسعى الحضاري باعتماد الحوار والحجة والإقناع قولا وفعلا.    

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024
العدد 19444

العدد 19444

الأحد 14 أفريل 2024