هنا برج المراقبة ...اسمعك

نورالدين لعراجي
13 أفريل 2018

لم أشعر بالحزن  مثلما حزنت على فقداني لأمي وأبي كالذي عشته اول الخميس وقاعة التحرير خالية من الصحفيين لأنه تزامن ويوم العطلة الفريد والوحيد لمهنة المتاعب.وانا اتابع شريط الأحداث لفاجعة الجزائر عبر الشاشات والعالم الازرق ..كانت الدموع تقبض انفاسي كما تقبض انفاس اليتامى والمساكين.
كانت اليوشين كطائر البراق ذو الجناحين الكبيرين  تحمل ارواح الشهداء غير مبدلة  الى عليين ..كيف لا وموت الفجأة اقبض ارواحهم ليلة الاسراء، وخيرهم من دون عباده، وفضلهم تفضيلا.
لم تكن الكلمات الأخيرة من قائد الطائرة إلى طيور الجنة معه على متن اليوشين إلا تذكير بقرب ساعة الشهادة وأن يستعدوا جميعا في موكب واحد ومحفل يظمهم جميعا لافرق بينهم في الرتبة ولا في الجنس ولا في السن، لا فرق بين صغير أو كبير أو عسكري ومدني ولا بين جزائري أو صحراوي ...الكل متجه إلى حيث يبعثون .القائد وهو في لحظة خلود الروح إلى بارئها.
كان بينه وبين الموت سكرات متقطعة لا يعلم خباياها الا هو ورب الكون.. علم أن مصيره ومن معه كان محتوما و ان الاجل مسمى. لكنه رغم ذلك التزم بتلك المبادئ والتعليمات العسكرية، أن لا يتسبب في قتل ارواح أخرى، بإمكانه تجنبها.. وهو الأمر الذي جعله أكثر انضباطا كعسكري متشبع بتلك القيم الانسانية النبيلة حتى وهو يستقبل الموت كالشجعان وما ادراك ما موت الفجأة!   وهو يرى حتفه بأم عينيه .
كم هي قاسية ومؤلمة تلك اللحظات الأخيرة من أعمار أولئك الشهداء الذين ذهبوا إليها طواعية، تجنب القائد الشهيد  التجمعات السكنية كما تجنب العودة إلى القاعدة ببوفاريك ونفس الأمر عندما تجنب الارتطام بالطريق السيار ولم يقل ساعتها نفسي نفسي ..بل وطني  وطني.
برج المراقبة وهو يتلقى آخر اتصال من القائد الشهيد عاش حالة استنفار كبرى.. فلا طائرة بإمكانها أن تحط على ارضيته ولا بإمكان  أخرى الاقلاع، فالكل في حالة تأهب عسى أن يعود الطائر إلى ارضيته وساعتها ستكون الكارثة..
شجاعة القائد الشهيد غيرت مجرى كل التكهنات المحتملة وأسقطت كابوسا كارثيا كان بينه وبين الحقيقة زر محرك العودة.
تسابيح رددها الشهداء في السماء ..لم نسمعها لكنها خرجت من قلوبهم كحسرات تشبه تلك اللحظات القاسية ....اننا ذاهبون بلا عودة.
«امي سامحيني»،  «سأصوم رمضان معكم» ،«المرة القادمة عند عودتي نذهب لنشتري ألبسة مولودنا الذي لم يراه»..«ساكون اسعد مخلوق في اجازتي القادمة لانني ساكون إلى رفقتك في بيتنا الجديد» «حبيبتي..لم يتبق سوى شهر واطلق تندوف»..«جويلية القادم سيكون موعد ترقيتي وبعدها يمكنني تغيير مكان عملي إلى الشمال».. «لقد منحونا سكنا وظيفيا المرة القادمة  أحملك معي ونسجل ابننا بدار الحضانة هناك» ..«خطيبتي بعد شهرين ينتهي عقدي ولا افكر بتجديده الا وانت معي ».
هذه آخر الفواصل من مشهد الحديث الأخير بين الأرض والسماء على السن أصحابها.
برج المراقبة ..لا أسمعك.. إنقطع الإتصال!.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024