شراكة بناءة تندرج في المدى البعيد

سعيد بن عياد
28 أفريل 2018

الشريك الأوروبي لا يبدو انه ينظر بعين «الرضا» للتوجهات الاستعجالية التي اعتمدتها الجزائر ضمن ورقة طريق مواجهة التداعيات المباشرة لازمة تراجع إيرادات المحروقات، غير أن منتدى رؤساء المؤسسات والاتحاد العام للعمال الجزائريين باعتبارهما معنيان مباشرة بالعقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي أبديا انشغالا مشروعا تجاه موقف شريك لطالما استفاد من عقد الشراكة رغم كلفته السلبية بالنسبة للجزائر. في انتظار أن تنهض المؤسسات حيث تنتج القيمة المضافة لتتدارك مخاطر التحديات التي تلوح في الأفق محليا وإقليميا.
طبيعي ان مواجهة اختلال ميزان المدفوعات والعجز المسجل في الميزانية مسالة تتعلق في الجوهر بالسيادة المالية والاقتصادية مثلما أشار إليه المنتدى والاتحاد في بيان يندرج في إطار توضيح الرؤية. لذلك لا يندرج هذا الخيار في أي مسعى يتعارض مع مسار الشراكة القائم مع الاتحاد الأوروبي أو غيره من الشركاء الأساسيين الذين يعتقد أن من مصلحتهم أن يكون الشريك المقابل على درجة من الاستقرار والنمو.
لماذا الانشغال بهذا الحجم الذي يعكس رؤية تجارية بحتة والجزائر لم تتوقف عند حد تسطير إجراءات تتعلق بمنع استيراد قائمة مواد محددة وإنما تقدم مقابل ذلك بديلا ناجعا يتعلق بفتح المجال أمام الاستثمار من خلال توفير مناخ جذاب ومرافقة تنافسية لانجاز مشاريع إنتاجية تخص مواد ممنوعة من الاستيراد. وتوجد مجالات واسعة للمشاركة في التحول الاقتصادي على أساس تقاسم الأعباء والمنافع في المديين المتوسط والطويل وقد بادر عديد الشركاء في مراجعة رؤيتهم للسوق الجزائرية بعد تأكدهم بأنه رابحة.
إن اللجوء إلى إعادة ضبط جانب المبادلات التجارية ليس بدعة وإنما هو قرار سيادي لا يتعارض تماما مع التزاماتها كونه يأخذ طابعا اقتصاديا بحتا وليس مجرد قرار إداري وقد لجأت إلى مثل هذا بلدان أخرى من بينها بلدان صناعية مثلما أكده أمين عام اتحاد العمال المعني بعالم الشغل وديمومة النمو. وقد بادرت بلدان صناعية كبرى إلى اعتماد ورقة الحماية الاقتصادية بصيغ مختلفة من منع لمواد ورفع للرسوم لمواد أخرى دون أن يثير ذلك انزعاج أي بلد.
في ظل أزمات مصيرية أو ظروف صعبة يحق لبلد مهما كان يحرص على حماية توازناته والدفاع عن قوت شعبه من خلال إتباع توجه قد لا يرضي شريكا أو يزعج آخر لا يهضم كيف أن البلد المعني سطر ورقة طريق بترتيب أوراقه الاقتصادية والتجارية دون أي نزعة للانغلاق أو التنصل من التزامات سابقة. ولا ضير أن يقوم بلد مثل حالة الجزائر بتدقيق مساره عن طريق ضبط الاستيراد لصالح تنمية الاستثمار وكم هي المجالات مفتوحة على غرار الصناعات المختلفة والفلاحة والسياحة والتكنولوجيات.
ما يجب الوقوف عليه من الشركاء أن قائمة المواد ممنوعة الاستيراد التي بدأت بألف منتوج تخضع للمتابعة والتّحيين والتعديل في كل مرحلة وفقا لتغير المؤشرات والتدقيق في البيانات الاقتصادية والتجارية بما يقود إلى حماية الجهاز الإنتاجي بالنسبة لمدخلات وتحفيز الإنتاج الجزائري في تعزيز مكانته في السوق المحلية والتوجه إلى التصدير دون تعارض مع عقد الشراكة الذي ينبغي أن يكون إطارا مرنا مفتوحا على الآفاق المستقبلية أكثر من أن يكون إطارا جامدا يحمل تعطيلا محتملا.
ينتظر من الشريك الأوروبي أن يضاعف من استثماراته الإنتاجية من اجل تنمية مسار الشراكة خاصة وان المناخ العام للأعمال ما فتئ يتحسن في جوانبه التشريعية والمالية والتحفيزية بمختلف إجراءات المرافقة التي استفاد منها شركاء أنجزوا اليوم مشاريع تؤكد نجاعة الوجهة الجزائرية بدل توخي الحيطة والانكماش بما يضيع فرصا قائمة خاصة وان التقرير الأخير للبنك العالمي يتوقع أن ينتعش النمو بسرعة خلال هذا العام ليصل 3.5 بالمائة مقابل 2.1 بالمائة السنة الماضية فيما يتوقع صندوق النقد الدولي نمو الناتج الداخلي الخام ب 3 بالمائة مقابل 2.7 بالمائة في 2017.
مراجعة آخر المؤشرات تشجع رسم معالم ايجابية إذا ما عززت المؤسسة الجزائرية وتيرة الإنتاج فقد تراجع العجز التجاري في جانفي الأخير إلى 410 مليون دولار مقابل 1.08 مليار في جانفي 2017 (ناقص 62.2 بالمائة) فيما عرفت صادرات خارج المحروقات (التحدي المصيري في انتظار تجاوز عتبة 1 مليار دولار) تحسنا طفيفا وان كان هامشيا من حيث أثره على النمو بتسجيل 208 مليون دولار مقابل 205 مليون دولار لنفس المقارنة وقد برزت قليلا صادرات المواد الغذائية والمعدات الصناعية ومواد الاستهلاك غير الغذائية. في انتظار أن تنهض فروع أخرى تتوفر على عوامل النجاح في المدى القصير مثل السياحة بالأخص.  
 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024
العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024